الزميل مُعين المراشده يكتب: سابقة قضائية تُعيد الاعتبار للعدالة الأكاديمية في الجامعات الأردنية
كتب: معين المراشده * -
أصدرت المحكمة الإدارية العليا في الأردن حكمًا تاريخيًا يُعدّ علامة فارقة في مسيرة العدالة التعليمية، إذ قضت بإلغاء قرار رسوب طالبة دكتوراه في جامعة اليرموك، كانت قد أنهت كافة متطلبات برنامجها بنجاح، قبل أن تتفاجأ بقرار صادم من لجنة المناقشة، دون بيان أسباب أو تبرير علمي واضح.
هذا الحكم كان رسالة بالغة الأهمية إلى كل مؤسسات التعليم العالي، مفادها: أن الكلمة الفصل في مصير الطلبة يجب أن تكون قائمة على أسس علمية موضوعية محكومة بالشفافية والمشروعية.
لقد سلط هذا القرار الضوء على إشكالية أعمق تعاني منها كثير من الجامعات الأردنية، وهي مشكلة الكفاءات الأكاديمية الضعيفة، وضعف آليات الرقابة، وانتشار الواسطة والمحسوبية في تعيين أعضاء الهيئات التدريسية، وهو ما أدّى إلى تدهور بيئة البحث العلمي، وتفشي ممارسات لا تليق باسم مؤسساتنا التعليمية.
إن التعليم العالي في الأردن لا يُمكن أن ينهض بوجود أعضاء هيئة تدريس لا يتمتعون بالكفاءة البحثية، أو يفتقرون لأدنى معايير الإنصاف والنزاهة. وإن استمرار حالات الظلم الأكاديمي، سواء في رسوب تعسفي، أو تأخير متعمّد في الإشراف، أو تضييق على الطلبة المتفوقين فكريًا، لهو إفلاس أخلاقي ومهني يستدعي وقفة وطنية جادة.
إننا اليوم بحاجة ماسة إلى غربلة حقيقية في بنية الجامعات، تبدأ من تقييم نزيه لكفاءة الأساتذة، وتنتهي بإصلاح جذري في سياسات التعيين، وتفعيل المحاسبة الأكاديمية، ويجب أن تكون هناك جهة رقابية أكاديمية مستقلة تُشرف على قرارات لجان المناقشة، وتراجع مسارات الإشراف على رسائل الماجستير والدكتوراه.
كما أن هذا القرار القضائي يجب أن يكون بداية لحملة وعي مجتمعي وإعلامي تدافع عن حقوق الطلبة الباحثين، وتعيد الثقة بالجامعات كمؤسسات معرفة لا كمراكز سلطة ضيقة تُدار بالمجاملات والمصالح.
ختامًا، نحيّي القضاء الإداري الأردني على حكمه العادل، ونتمنى أن يُشكّل هذا القرار نقطة تحوّل نحو جامعات أردنية عادلة، حرة، نزيهة... تحكمها الكفاءة لا العلاقات، والحق لا المجاملة.
*ناشر ورئيس هيئة تحرير وكالة "الرقيب الدولي" الإخبارية.