خطاب ملكي من "قلب البرلمان الأوروبي" يرسم ملامح سلام عادل وشامل .. الملك ينطق بلسان الحق ويؤنّب ضمير العالم
17 حزيران 2025 - (الرقيب الدولي) - خاص - (ز.م.) -
ارتفع صوت جلالة الملك عبدالله الثاني، اليوم الثلاثاء، في قاعة البرلمان الأوروبي بمدينة ستراسبورغ ، ليحمل نداء الإنسانية ، وينبه ضمير العالم ، موجّهاً خطاباً سياسياً وأخلاقياً بليغاً ، يعيد التذكير بالثوابت والقيم في خضم المتغيرات المتسارعة التي تفتك بالمنظومة العالمية .
لقد جاء خطاب الملك برؤية متكاملة اتسمت بالعمق الإنساني وبعد النظر السياسي ، حيث تناول جلالته الواقع العالمي المضطرب من منظور تاريخي أخلاقي ، مسلطاً الضوء على مسؤولية المجتمع الدولي في إنقاذ المبادئ لا الشعارات ، والعدالة لا الاصطفافات .
جلالته أكد أن العالم يعيش لحظة مفصلية ، لحظة تتطلب الانحياز للقيم على حساب القوة ، وللضمير على حساب الغلبة، وهي لحظة يختبر فيها العالم إنسانيته من خلال مواقفه من المآسي الممتدة من غزة إلى أوكرانيا ، ومن الضفة إلى إيران ، في مشهد عالمي يوشك أن ينفلت من عقاله.
الخطاب حمل إدانة أخلاقية صارخة للصمت الدولي حيال ما يحدث في غزة ، حيث لا يعقل – كما قال الملك – أن تصبح المجازر فعلاً معتاداً ، والمجاعة أداة حرب ، حيث كان حديث الملك عن غزة صرخة ضمير في وجه تطبيع الوحشية.
جلالته شدد على أن السلام الحقيقي يصنع بالقيم ، في إشارة واضحة إلى فشل الردع العسكري في صناعة استقرار دائم ، مؤكداً أن العالم يحتاج إلى نوايا صادقة ومبادئ راسخة ، تحكم علاقاته وتصوغ مستقبله.
وفي إطار الدفاع عن القضية الفلسطينية ، جدّد الملك دعوته الصريحة والعادلة للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، مشدداً على أن استمرار الاحتلال والانتهاكات يمثل تقويضاً للأمل الجماعي في العدالة والكرامة .
وقد استعرض جلالته الجذور الروحية والإنسانية التي تجمع بين الديانات السماوية ، مقدماً الأردن كنموذج حي للتسامح والتعددية والعيش المشترك، من خلال دوره التاريخي في الوصاية الهاشمية على المقدسات.
لقد منح جلالته البعد الديني والسياسي للوصاية الهاشمية طابعاً أخلاقياً عالمياً ، حين ربط بين العهدة العمرية ومبادئ جنيف ، مؤكداً أن القيم لا تصدأ، وإن تعرّضت للخذلان، وأن حماية المقدسات في القدس تعد مسؤولية عالمية .
وفي خضم عرضه للتحديات، بيّن الملك أن الانحدار الأخلاقي الذي يشهده العالم هو نتيجة مباشرة للفجوة الخطيرة بين القول والفعل ، بين ما ترفعه الأمم من شعارات وبين ما تطبقه على أرض الواقع.
وتحت عبارات مكثفة وقوية، دعا جلالته المجتمع الدولي إلى مفترق طرق تاريخي، إما أن ينحاز للحق والمبادئ، أو يستمر في التواطؤ مع الظلم والانهيار، إنها لحظة حاسمة – كما وصفها – تتعلق بتحديد ملامح الهوية الإنسانية جمعاء.
ولم يغفل جلالته البعد التنموي ، حيث ربط بين غياب التنمية وتفشي التطرف، مؤكداً أن الاستثمار في أمل الشرق الأوسط هو استثمار في أمن العالم بأسره، داعياً أوروبا لتكون شريكاً في بناء مستقبل مشترك ينعم فيه الجميع بالأمن والازدهار.
خطاب الملك جاء انعكاساً صادقاً لحنكته السياسية ومكانته العالمية ، التي جعلت من كلماته مرجعية أخلاقية تحظى بالاحترام والثقة ، حيث بدا واضحاً التقدير الأوروبي والدولي لشخص الملك، الذي جمع بين الصلابة والإنصاف، وبين الواقعية والرؤية.
لقد كان خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في البرلمان الأوروبي لحظة فارقة في لغة السياسة الدولية ، أعادت الاعتبار لصوت العقل ، ورسّخت الأردن كمنارة للاعتدال في بحر متلاطم من الغلو والانقسام.