الزميل مُعين المراشده يكتب: مازن الفراية… وزيرٌ يلامس وجع الناس بعقل الدولة وضمير المجتمع.
كتب: مُعين المراشده * -
في زمنٍ تتزاحم فيه القضايا وتتشابك التحديات، يبرز بين حينٍ وآخر مسؤول يمتلك رؤية الدولة وضمير المواطن في آنٍ واحد، يتقدّم بخطواتٍ مدروسة نحو معالجة الظواهر لا من باب الوعظ، بل من منطلق الإصلاح العملي المبني على الفهم العميق للواقع.
ومن هؤلاء معالي وزير الداخلية مازن الفراية، الذي أطلق مؤخرًا مبادرة نوعية بعنوان “تنظيم الظواهر الاجتماعية”، لامست قلوب الأردنيين قبل أن تلامس صفحات الصحف ووسائل الإعلام.
المبادرة جاءت امتدادًا لنهجٍ إداري رصين اعتدناه من الوزير الفراية، القائم على الانضباط والتوازن بين الحزم الإجرائي والبعد الإنساني.
فهي لا تستهدف الناس في عاداتهم، بل تدعوهم إلى ترشيدها وتنقيتها من مظاهر التبذير والمباهاة التي أنهكت المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا، وجعلت المناسبات – أفراحًا كانت أم أتراحًا – عبئًا ثقيلًا بدل أن تكون مظهرًا للتكافل والمودة.
لقد وضع الفراية يده على جرحٍ اجتماعي مزمن، حين أشار إلى مظاهر المغالاة في المهور، وتضخيم حفلات الزواج، والإسراف في بيوت العزاء، وهي ممارسات وإن بدت مألوفة اجتماعيًا إلا أنها تتناقض مع الواقع المعيشي الصعب الذي يعيشه الناس اليوم.
فجاءت المبادرة لتعيد الأمور إلى نصابها، عبر دعوةٍ صريحة للعودة إلى العُرف الأردني الأصيل في البساطة والتراحم، دون أن تمسّ جوهر الكرم والشهامة التي عُرف بها أبناء الوطن.
ولعلّ اللافت في هذه المبادرة أنها لم تُطرح بقرار فوقي، بل بآلية تشاركية راقية، إذ وجّه الوزير الحكّام الإداريين إلى عرضها على المجالس التنفيذية والأمنية ومؤسسات المجتمع المدني والشيوخ والوجهاء والمخاتير والمؤثرين للتوقيع على التزام جماعي بمضامينها.
وهذا بحد ذاته يعكس نضجًا في الإدارة ووعيًا سياسيًا واجتماعيًا متقدمًا، فالتغيير الحقيقي لا يُفرض، بل يُبنى على قناعة الناس وإيمانهم بالمصلحة العامة.
إن ما يقوم به معالي مازن الفراية ليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو مشروع وطني أخلاقي يعيد ضبط البوصلة الاجتماعية، ويؤكد أن وزارة الداخلية لا تُعنى فقط بالأمن الإداري، بل أيضًا بالأمن الاجتماعي والقيمي الذي هو أساس استقرار أي دولة.
إننا أمام وزيرٍ يجيد الإنصات لنبض الشارع دون أن يتخلى عن هيبة الدولة، ويمتلك من الحكمة ما يجعله قريبًا من الناس، ومن الانضباط ما يحافظ به على هيبة مؤسسات الوطن.
وهي معادلة لا يجيدها إلا القليل من رجال الدولة الذين ينظرون إلى المنصب بوصفه تكليفًا لخدمة الوطن، لا تشريفًا للتسلّط عليه.
إن مبادرة وزارة الداخلية اليوم تستحق الدعم والإشادة، لأنها تُعبّر عن فكر إداري إصلاحي يقوده وزير ميداني، لم يعتد البقاء خلف المكاتب، بل في الميدان بين المواطنين، يسمع منهم ويعمل لأجلهم.
وما أحوجنا اليوم إلى مثل هذه النماذج في العمل العام، التي تُترجم الانتماء إلى الوطن سلوكًا وقرارًا ومسؤولية.
كل التقدير لمعالي الوزير مازن الفراية،
على جرأته في طرح ما يفكر فيه الناس بصوتٍ رسميٍّ وطنيٍّ واعٍ،
وعلى حكمته في معالجة العادات بالوعي لا بالصدام،
وعلى إيمانه العميق بأن الكرامة لا تُقاس بحجم الولائم، بل برقيّ الفكرة ونقاء النية.
* ناشر ورئيس هيئة تحرير وكالة الرقيب الدولي الإخبارية