كتب: مُعين المراشده *-
بين الحين والآخر تتساقط أخبار عن تورط مسؤولين من الصف الأول... حاليين وسابقين، إضافة إلى مدراء دوائر ومؤسسات عامة ورؤساء بلديات... في قضايا فساد مالي أو إداري. هذه الأخبار، مهما اختلفت تفاصيلها، تترك ندوباً في وعي المجتمع، وتثير عاصفة من التساؤلات حول طبيعة الحكم والمسؤولية ومفهوم الثقة العامة.
فالفساد في المناصب العليا ليس مجرد انحراف فردي، بل هو خيانة موصوفة للأمانة العامة، واعتداء على المال العام، وتفريط في ثقة المواطن.
فالمناصب العامة ليست امتيازاً شخصياً يُستغل، بل تكليف لخدمة الناس، وأي انحراف عن هذا المفهوم يضرب صميم العقد الاجتماعي بين الدولة والمجتمع.
ورغم أن بعض هذه القضايا قد لا تنتهي بإدانة قضائية، إلا أن مجرد تداولها يعكس تطور أدوات الرقابة والشفافية، ويؤكد أن المجتمع بات يرفض فكرة المسؤول فوق القانون.
فالدولة الحديثة لا يمكن أن تُبنى على الاستثناءات، بل على قاعدة واحدة... سيادة القانون على الجميع بلا تمييز.
غير أن الأخطر من الفساد نفسه، هو ما يخلفه من آثار طويلة المدى... اهتزاز ثقة الناس بالعملية السياسية، عزوف الشباب عن الانخراط في الشأن العام، تشويه صورة مؤسسات الدولة داخلياً وخارجياً. وهذه التبعات أخطر بكثير من أي ملف فردي.
المعالجة الحقيقية لا تكون بالشعارات، بل بإرادة سياسية حازمة تضع حداً للتغاضي، وبقضاء مستقل يفتح الملفات بلا تردد، وهيئات رقابية تمتلك الصلاحيات والأدوات، وإعلام حر قادر على كشف الحقائق. وفوق كل ذلك، ثقافة مجتمعية تعتبر المنصب العام مسؤولية لا غنيمة، وخدمة لا تجارة.
الرسالة التي يجب أن تُرسّخ واضحة... لا حصانة لفاسد، ولا حماية لمسؤول خائن للأمانة. عندها فقط تستعيد الدولة ثقة مواطنيها، ويصبح العمل العام مرادفاً للشرف والنزاهة، لا للفساد والامتيازات.
* ناشر ورئيس هيئة تحرير وكالة "الرقيب الدولي" الإخبارية.