الكاتب الساخر: وليد معابرة-جامعة آل البيت
ذات يوم حارٍّ من أيام شهر تموز الماضي؛ وبينما كنَّا في أحد مساجد القرية نستمع لخطبة الجمعة؛ إذ نزل "قاطع العداد" الذي يزوِّد المسجد بالتيار الكهربائي؛ فتوقفت المكيِّفات عن عملها، وبدأ العرق يتصبَّب من أجساد الحاضرين، حينها؛ التفتَ الخطيب إلى المصلِّين، ثم قال لهم بصوت خطابيٍّ مهيب:
"أيُّها الناس! هذه إشارة لكم من الله ليُذكِّركم بحرِّ جهنَّم"!
عندها بدأت أَكُفُّ الضراعة تتوجَّه إلى السماء، وتوالت التسابيح، وعلَت أصوات الحوقلة، وعمَّت الفوضى في أرجاء المسجد، حتى اكتملت "الدراما العربيَّة" وبلغت أوجها في تجسيد المشهد الدرامي الذي نُصُرُّ على معايشته والتعايش معه من غير وعي! وظلَّ الأمر يتعاظم والأصوات تعلو! حتى سمعتُ طفلاً من "جيل الإنترنت" ينادي الإمام بصوت يقطر منطقيَّة:
"يا شيخ، يا شيخ: إِنَّه مجرَّد Overload فلِمَ لمْ ترفع عداد الكهرباء وتذكِّرنا أنتَ بنعيم الجنَّة"؟!
في تلك اللحظات، وعندما طرح الطفل سؤاله الاستنكاري؛ توقفت مسيرة الخطيب، وبدأَ العرق يتصبَّب من جبينه، في وقتٍ ساد فيه الصمت الرهيب حتى غزا قلوب المصلِّين؛ الذين اكتشفوا –حينها- أنَّ نعيم الجنَّة يؤجل دائماً إلى إشعار غير معروف! بينما يُقدَّم الجحيم كتجربة حيَّة ودائمة في أماكن العبادة التي لا تعمل فيها المكيِّفات، كما تُقدَّم في كلِّ بيت يُطفِئ فيه أصحابه التبريد باسم الزُّهد والتقشُّف؛ ليُشغِّلُونه في مكاتبهم الحكوميَّة طيلة اليوم باسم المصلحة العامة.
منذ خمسين عاماً ونيِّف؛ وأنا أسمع تذكيرات العذاب حتى ظننت أنَّها سلعةٌ مجانيَّة يستخدمها الوُعَّاظ للسيطرة على بعض أنواع البشر...؛ الوُعَّاظ الذين باتوا يظنُّون أنَّ الإيمان لا يكتمل إلا إذا مارسنا قليلاً من حياة الجحيم! لكنَّ الطفل الصغير الذي نشأَ في أجواء تملؤها أنماط التفكير المعاصر؛ لجأ الى توظيف عقله! لذلك كان أكثر دقَّةً وأصدق قولاً من الذين عاشوا حياتهم بين كتب التراث، فقد أدرك مبكراً أنَّ الذي يعجز عن إصلاح المكيِّفات لا يحقُّ له أن يحتكر مفاتيح الجنَّة، وقد تأكَّد تماماً أنَّ الإيمان لا يقاس بدرجة الحرارة، بل بمستوى الوعي وبكميَّة تدفق المعارف والأَفكار، كما وعَى أنَّ كُفرِ الإنسانِ بالإنسان لا يصدر إلا من الذين يحدثون الآخرين عن الجحيم؛ لاعتقادهم أنَّهم إذا تحصَّلوا على حفنةً من العلم؛ فانَّهم سيمتلكون المكيِّفات في الجنَّة.
باختصار شديد؛ ليس كلُّ ما يحدث لنا يُعدُّ علامة من علامات الآخرة! فبعض أنواع الحرِّ تندرج تحت ضعف الصيانة الدوريَّة، ولا تندرج ضمن سوء النيَّة وضعف الإيمان!
وليست كلّ إشارة تحذيريَّة هي من السماء!
ولا كلّ عطل في المكيِّف هو إنذار من جهنَّم!
هي بالتأكيد مجرَّد أوهام ممزوجة بأساطير أتلَفَت العقول، وجعلتنا في ذيل الأُمم نتسوَّل أبجديَّات المعرفة.
أنا شخصيَّاً وبسبب تلك الطُّغمة الدوغمائيَّة والخطابات المزيَّفة! بدأتُ أُعاني من آثار جانبيَّة لفصل "كهربائي إنساني" أو "كهروإنساني" قادم يتوعَّدني! وقرَّبت أَسلاكي تحترق، وأتوقع إنُّه إذا "شرَّتت معي" رايح أنزَّل العداد وأفضح المستور؛ لأنَّي وصلت إلى مرحلة إشباع لا مثيل لها ومش متحمِّل أي أوڤرلود أحتاج بعده إلى إعادة ضبط المصنع.