د. مُعين الشناق يكتب: العنف الجامعي... ناقوس خطر يستدعي الوعي والحزم
د. مُعين الشناق - أرشيفية
كتب: الدكتور مُعين الشناق – عميد كلية القانون في جامعة جدارا
باتت ظاهرة العنف الجامعي تؤرق المجتمع الأردني، وتضع مؤسسات التعليم العالي أمام تحدٍّ حقيقي، بعدما تحوّل هذا السلوك إلى مشهد متكرر يكشف عن خللٍ عميق في منظومة الوعي والسلوك والانضباط الاجتماعي لدى بعض فئات الشباب.
لقد خلّفت هذه الظاهرة آثاراً سلبية على البيئة الأكاديمية والسلم المجتمعي، وأسهمت في تشويه صورة الجامعة بوصفها منارةً للعلم والمعرفة وبناء الشخصية الواعية والمسؤولة. فعندما تتحوّل بعض الحرمات الجامعية إلى ساحاتٍ للمشاجرات والعصبيات، يختل الدور الأساس الذي وُجدت من أجله الجامعة، وهو إعداد جيلٍ مؤهلٍ علمياً، ناضجٍ فكرياً، مؤمنٍ بالحوار والتسامح واحترام الآخر.
تتعدد أسباب العنف الجامعي وتتشابك بين عوامل تربوية واجتماعية وثقافية. إذ تنشأ أحياناً مجموعات طلابية ذات انتماءات عشائرية أو مناطقية تعيد إنتاج ثقافة "الشللية" داخل الجامعة، فيغيب الانتماء الأكاديمي لصالح الانتماءات الفرعية.
كما يبرز ضعف وعي الطلبة بالأنظمة والتعليمات الجامعية، وغياب الفهم الكافي لحدود السلوك المقبول داخل الحرم الجامعي، مما يؤدي إلى وقوع تجاوزات يمكن تجنبها بالتثقيف والتوجيه.
إضافة إلى ذلك، يسهم الفراغ الطلابي وغياب الأنشطة الثقافية والرياضية في توليد طاقات سلبية لدى الطلبة، كان يمكن توجيهها نحو الإبداع والعمل الجماعي لو توفرت بيئة جامعية حاضنة.
كما أن فجوة العلاقة بين الأساتذة وطلبتهم وغياب الإرشاد الأكاديمي والنفسي والتربوي يضعف الإحساس بالانتماء والمسؤولية لدى الطالب، في حين أن غياب التطبيق العملي لما يدرسه الطلبة يولّد شعوراً بالانفصال بين النظرية والواقع، وهو ما يعمّق الإحباط ويزيد من احتمالية السلوك العدواني.
ومع ذلك، فإن مواجهة العنف الجامعي ليست مهمة الجامعة وحدها، وإنما هي مسؤولية مشتركة تتطلب تعاوناً بين الجامعات والأسر والمجتمع والإعلام.
ويبدأ الإصلاح من لحظة استقبال الطالب الجديد، من خلال تعزيزه بالوعي بالأنظمة والسلوكيات الجامعية المقبولة، وإشراكه في بيئة منفتحة تعزز الحوار واحترام التنوع.
كما يجب على أعضاء هيئة التدريس أن يتحملوا دورهم التربوي إلى جانب دورهم الأكاديمي، فالأستاذ ليس ناقلاً للمعرفة فقط، حيث يعد موجهاً ومرشداً وصانعاً للقيم.
ولتحقيق الردع المطلوب، لا بد من تغليظ العقوبات بحق من يثبت تورطه في أعمال العنف، مع منع أي تدخلات اجتماعية أو نيابية في تطبيقها، لأن العدالة والمساواة هما أساس هيبة المؤسسة.
كما ينبغي أن تكون إجراءات الضبط الجامعي واضحة وعادلة وشفافة، فالقانون هو الحامي للمؤسسة والطلبة في آن واحد. ومن المفيد أيضاً إلزام الطلبة المنتقلين بين الجامعات بتقديم شهادة حسن سلوك لضمان استقرار بيئة الجامعة والحفاظ على قيمها الأكاديمية والأخلاقية.
إن الشراكة المجتمعية تمثل ركيزة أساسية في معالجة هذه الظاهرة، من خلال عقد الندوات والورش والمؤتمرات التوعوية بالتعاون مع أولياء الأمور ومؤسسات المجتمع المحلي، لبحث الظاهرة وتحليل أسبابها واقتراح حلول عملية للحد منها. فالمجتمع والجامعة وجهان لعملة واحدة، وما يحدث في الجامعة هو انعكاس لما يجري في المجتمع.
وفي الختام، فإن تطبيق القوانين بعدالة وشفافية يمثل حجر الزاوية في محاربة العنف الجامعي، كما أن تفعيل دور الإرشاد النفسي والاجتماعي داخل الجامعات يسهم في الوقاية من السلوك العدواني وبناء بيئة جامعية آمنة ومحفزة على التعلم والإبداع.
إن مواجهة العنف الجامعي تبدأ من الوعي وتنتهي بالمساءلة، وبينهما تقع مسؤوليتنا جميعاً في إعادة الاعتبار للجامعة كمؤسسة تصنع الفكر لا المشاجرات، وتخرّج قادة المستقبل لا متنازعين في الحاضر.