د. انتصار الزيود تكتب : محاكم بلا بينات ولا شهود
الدكتوره انتصار الزيود -
بات من الصعب السيطرة على محكمة القضاء الافتراضية والافترائية، التي تشكلت على مواقع التواصل الاجتماعي، من مظاهر التنمر على الأشخاص والمجموعات، وجلد الأشخاص بكل أنواع العقاب، المعنوي والتدمير النفسي، والسخرية المبالغ فيها، لأسباب عديدة، لا ترتقي لحجم الجرم المفترض الذي ارتكبه الشخص، أو الحدث الذي سلط عليه الضوء الساطع، رغم حاجته لضوء خافت كي يمر بسلام باعتباره حدث عادي.
برزت في مجتمعاتنا ظاهرة التنمر بشكل جلي، لدرجة أصبح الفرد محاط بجيش مخيف من المراقبين يرصدون له زلاته وعثراته، وأي خطأ يرتكبه، يكون وجبةََ دسمة يتناولها الجميع، بكل أصناف الكلام المحبط والمهين، حيث يصبح كأنه المتهم الذي ثبت جرمه بحكم رواد المواقع، وعليه أن ينال أبشع أنواع العقاب.
في عالم المواقع يتحول الجميع إلى قضاة يصدرون الأحكام بكبسة زر، تبدأ بعدها عاصفة الكترونية تستهدف الأفراد أو الجماعات بشتى أنواع أسلحة الدمار النفسي والمعنوي تضع الهدف في قفص الاتهام، دون الرجوع لشهود، أو عقد محكمة عادلة، توضح حيثيات الحدث، أو حتى صحة مصدر الخبر.
كثيرة هي الأمثلة وخاصةََ أننا الآن في وضع استثنائي بسبب وباء الكورونا، الذي تكونت بسببه بؤرة عميقة للتنمر والتهجم على الأشخاص بسبب إصابتهم بالفيروس، وتناولهم كمادة دسمة للنقد والجلد، وترويج الشائعات والأقاويل حولهم، رغم أن أي فرد فينا معرض للإصابة تحت أي ظرف، فلا يجب أن يكون المصاب فريسة، بل يحتاج لأن نقف بجانبه كي يتجاوز المرض وتكون أموره بخير، فالأمر ليس مخيفاََ ولا مرعباََ ولا معيباََ، بل المعيب أن نجعل من المصاب فريسة يحتاج للدفاع عن نفسه والهرب من محكمة التنمر والجلد التي تعقد حالما تثبت إصابته.
نحن نحتاج أن نستغل مواقع التواصل لتبادل الفكر والثقافة، وترك تناقل الأخبار للمصادر المختصة بذلك، وأن يكون تعاملنا معها على أساس أخلاقي، لأننا بشر حقيقيين نتأثر بكبسة الزر المدمرة تلك، والتي يظن مستخدموها أنها تنتقل في هذا العالم الافتراضي دون حسيب أو رقيب، ولا يعرفون إنها مدمرة للطرف المتلقي، وربما يدفع ثمناََ باهضاََ مقابل كبسة زر.