كتب: د. زيد مُعين المراشده * -
يطل علينا العاشر من حزيران، وقد تزينت النفوس بفخر واعتزاز ، احتفاء بذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش ، وهما مناسبتان متلازمتان في المعنى والرسالة ، تضيئان تاريخنا الوطني وتستنهضان فينا العزم والإرادة.
هما محطتان مجيدتان نستمد منهما روح التضحية والفداء، ونقف فيهما إجلالاً لأولئك الذين جعلوا من الكرامة نهجا ، ومن الذود عن الحمى شرفت لا يضاهى.
لقد جسدت الثورة العربية الكبرى بداية وعي قومي متقدم ، انطلقت من عمّان إلى سائر ربوع الأمة، حاملة على راياتها قيم الحرية والوحدة والنهضة.
وكان للقيادة الهاشمية الحكيمة دور محوري في بلورة هذه الثورة ، إذ قادها الشريف الحسين بن علي لتكون النبراس الذي استضاء به العرب في مسيرتهم نحو الاستقلال والانعتاق من الظلم ، وهي ذات الرسالة التي حمل لواءها الجيش العربي، وظل أمينا عليها عبر العقود.
ومنذ تأسيس الإمارة ، رافق الجيش العربي نشوء الدولة الحديثة ، وكان عمودها الفقري وسياجها المنيع ، حيث تطور في هيكله وتسليحه وتدريبه ، محافظا على ثوابته الراسخة وعقيدته النابعة من مبادئ الثورة ، وأصبح عنوانا للبطولة والانتماء ، ووساما يزين جبين الوطن ، كما حظي هذا الجيش برعاية متواصلة من ملوك بني هاشم الأطهار ، تعززت في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، فغدا في طليعة الجيوش احترافا وكفاءة.
منذ انبثاق فجر الثورة العربية الكبرى ، كانت القيادة الهاشمية حاضنة المشروع القومي العربي ، ورافعة راية الحرية والاستقلال ، فقد قاد الشريف الحسين بن علي تلك الثورة من منطلق إيمان راسخ بوحدة الأمة وكرامتها ، لتكون صرخة عربية مدوية ضد الظلم والاستعمار.
وتوالى من بعده الملوك الهواشم على حمل أمانة الثورة ، فكان الملك المؤسس عبدالله بن الحسين باني اللبنات الأولى للدولة الأردنية وجيشها ، ثم جاء جلالة الملك طلال واضع الدستور ، وجلالة الحسين الباني الذي رسخ عقيدة الجيش العربي وهيكله واحترافيته ، وصولاً إلى عهد جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي وضع تحديث وتطوير القوات المسلحة في مقدمة أولوياته ، فارتقى بها إلى مصاف الجيوش الكبرى ، وحرص على تعزيز قدراتها الدفاعية والإنسانية ، بما يجعل منها ذراعا وطنيا شموليا يذود عن الوطن ويسهم في نهضته .
ومنذ معارك الشرف في فلسطين وحتى النصر في الكرامة ، سطر جيشنا الباسل مواقف لا تنسى ، وظلوا يتقدمون الصفوف دفاعا عن كرامة الأمة ومجدها، وقد اتسع دوره ليشمل جوانب إنسانية وتنموية ، فكان يدا حانية على الجريح ، وعونا للأشقاء في كل محنة.
ومع تزايد التحديات ، أجرت القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي مراجعات استراتيجية شاملة لتحديث منظومة القوات المسلحة ، وإعادة هيكلتها وفق متطلبات العصر ، لتكون أكثر مرونة واستجابة ، وقد تم رفد الجيش بأحدث منظومات الأسلحة والتقنيات الدفاعية ، وتحديث قدراته في مراقبة الحدود ، والتصدي للتهديدات المستجدة ، ليبقى دائما على جهوزية تامة في مواجهة مختلف الاحتمالات.
أما في المجال التنموي، فقد كان للجيش بصمة واضحة في مختلف القطاعات ، من التعليم إلى الزراعة ، ومن الصحة إلى الأمن الغذائي.
وقد توسعت مدارس الثقافة العسكرية ، وارتقت الخدمات الطبية الملكية إلى مستويات عالمية ، فيما أسهمت مشاريع القوات المسلحة في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية المستدامة.
وبعد أن باتت القوات المسلحة الأردنية نموذجا يحتذى به، لم يقتصر دورها على حماية الداخل فقط ، بل امتد إلى خارج الحدود ، عبر مشاركات إنسانية وإغاثية مشرفة في أكثر من خمس وعشرين دولة ، مقدّمة نموذجا للقيم التي تأسس عليها الجيش: النخوة ، والشهامة ، والتضامن الإنساني.
إننا في هذه المناسبات الوطنية العزيزة، نقف إجلالًا وتقديرًا لرجال الوطن الأوفياء، ولأبطال الجيش العربي الذين نذروا أنفسهم لخدمة الأردن والدفاع عن حماه.. إنهم فرسان الميدان، حماة السيادة، ومصدر فخر لجلالة قائدنا الأعلى ولكل أردني يعتز بانتمائه لهذا الوطن الصامد.
وختاما .. تبقى ذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش محطة لتجديد العهد على الوفاء والولاء ، ولشحذ الهمم نحو المزيد من البناء والإنجاز ، فليحفظ الله الأردن ، وليدم جيشه سندا ودرعا ، يحمل رسالة الأمة ، ويسير بثقة وثبات نحو مستقبل أكثر إشراقا وأملا .
حفظ الله الأردن وطنا ومليكا وشعبا، وحفظ قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية الساهرين على أمن واستقرار الوطن.
*
- إعلامي وأكاديمي ومحامي ومستشار قانوني.
- أستاذ القانون المدني المساعد.
Zaid_marashdeh@yahoo