وصفي التل... سيرة وطن ونبض خلود
بقلم: الأستاذ الدكتور حابس الزبون (رئيس جامعة جدارا)
في مثل هذه الأيام من كل عام، نقف وقفة إجلال ووفاء أمام ذكرى خالدة في وجدان الأردنيين، ذكرى استشهاد الشهيد وصفي التل، رجل الدولة الذي لم يكن مجرد رئيس وزراء عابر، بل رمزًا للعطاء والإخلاص والانتماء، وقامة وطنية شامخة رسخت في ذاكرة الأمة نموذجًا فريدًا في القيادة والنزاهة والولاء للوطن.
لقد كان وصفي التل ابن الأردن البار، صوت الأرض والعسكر، رجل المبادئ لا المساومات، آمن بأن الوطن لا يُبنى بالشعارات بل بالفعل والتضحية والعمل الدؤوب. حمل همّ الوطن في قلبه، وجعل من الكرامة الوطنية بوصلةً لخطاه، ومن العدالة الاجتماعية هدفًا لكل سياساته.
ولعل من أسمى ما ميّز مسيرة الشهيد وصفي التل، ذلك الانسجام العميق الذي جمعه بالمغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراه، فقد التقيا على محبة الأردن، والتفاني في خدمته، والإيمان برسالته الخالدة. كانا يجسدان معًا روح القيادة الصادقة التي وضعت مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فالحسين كان القائد الذي وهب عمره للأردن وأمته، ووصفي كان الجندي الوفي الذي سار خلفه بإخلاص وإيمان. لقد شكّلا معًا ثنائية من الوفاء والصدق، تركت في ذاكرة الوطن صفحات من النقاء والبطولة والإخلاص.
لم يكن وصفي التل سياسياً تقليدياً، بل كان قائداً مؤمناً بأن بناء الإنسان هو أساس بناء الدولة. دعا إلى الاعتماد على الذات، وغرس في نفوس الأردنيين روح الكبرياء الوطني والإيمان بقدراتهم. كانت كلماته صادقة كنبضه، ومواقفه واضحة لا تعرف المواربة، فاستحق أن يخلده الشعب في ضميره قبل أن تخلده الكتب والميادين.
واليوم، ونحن نستذكر وصفي التل، نستذكر معه قيم الوفاء والنزاهة والجرأة في قول الحق، ونتعلم من سيرته كيف يكون الانتماء الحقيقي للوطن بالعمل والتفاني، لا بالقول والعاطفة فقط.
رحم الله الشهيد وصفي التل، الذي عاش نزيهاً ورحل شهيداً، تاركاً للأجيال دروساً في الوطنية الصادقة والإيمان الراسخ بالأردن وطناً لا يُقاس بحجمه، بل بعظمة رجاله وإخلاصهم.
ستبقى ذكراه نبراساً يضيء دروبنا، ما دام في هذا الوطن رجال يؤمنون كما آمن هو، بأن الأردن رسالة خالدة وراية لا تنحني.