الرقيب الدولي - خاص -
في زمن تتقاطع فيه الأزمات البيئية مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية، جاءت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني، خلال افتتاح المؤتمر الثالث للأمم المتحدة للمحيطات في مدينة نيس الفرنسية، بمثابة نداء عالمي يتجاوز الأطر التقليدية لخطاب القادة، نحو فعل مسؤول يربط بين المعرفة والالتزام، وبين العلم والعمل المشترك.
بمنهجية هادئة ورؤية استراتيجية عميقة، رسم الملك ملامح خريطة أمل جديدة، قاعدتها خليج العقبة، الذي تحول من مجرد موقع جغرافي إلى منصة حيوية للنهوض بالاقتصاد الأزرق وحماية الشعاب المرجانية المهددة.
هذه الشعاب، التي وصفها الملك بأنها "خط الدفاع الأول للتنوع البيولوجي الأزرق"، ليست مجرد تكوينات طبيعية بل بنى أساسية لحياة اقتصادية وبيئية ترتبط بها معيشة ملايين البشر في مختلف القارات.
لقد استند جلالته في خطابه إلى مرتكزات ثلاثة تشكل إطارًا مفاهيميًا متماسكًا: الأول هو المعرفة العلمية، حيث أشار إلى مرونة الشعاب المرجانية في خليج العقبة، التي تؤهلها لمقاومة ارتفاع درجات الحرارة، ما يجعلها نموذجًا قابلًا للتعميم عالميًا.
الثاني هو الابتكار التقني، من خلال الإعلان عن إنشاء المركز العالمي لدعم المحيطات ومزرعة حديثة لتعزيز أعداد الشعاب المرجانية باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
أما المرتكز الثالث فهو الشراكة الدولية الشاملة، التي تتجاوز حدود التعاون التقليدي، لتشمل العلماء، والمجتمعات المحلية، والمبدعين في مختلف التخصصات.
ولعل اللافت في الخطاب الملكي هو الربط الذكي بين التحديات البيئية والواقع التنموي المحلي.
ففي لحظة قد يتصور فيها البعض أن الدول النامية مطالبة بتأجيل التزاماتها البيئية لصالح أولوياتها الاقتصادية، جاء موقف الأردن ليؤكد أن حماية الطبيعة ليست عبئًا بل استثمارًا في المناعة الوطنية.
فالحفاظ على المحيطات والموارد الطبيعية ليس ترفًا، بل هو استراتيجية تعزيز للقدرة على الصمود، في وجه أزمات المناخ والاقتصاد على حد سواء.
الرسالة الأهم في الخطاب الملكي هي أن الطبيعة ليست بحاجة إلى من ينقذها بقدر حاجتها لمن يتعاون معها.
وهذا ما عبّر عنه الملك من خلال دعوته لأن تكون الحلول المستندة إلى الطبيعة جزءًا من المشهد الاستثماري العالمي، بما يجعل من صون المحيطات خيارًا اقتصاديًا وعلميًا مستدامًا، لا مجرد التزام بيئي أو أخلاقي.
إن مشاركة الأردن في هذا المؤتمر الدولي تأتي امتدادًا لجهوده في مجال حماية البيئة البحرية والتنمية المستدامة، واعترافًا بدوره في صياغة رؤية مستقبلية للاقتصاد الأزرق.
فالمبادرات التي أعلن عنها الملك، وفي مقدمتها "مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق"، تعكس انتقال المملكة من مرحلة التفاعل مع التحديات البيئية إلى صناعة الحلول القابلة للتطبيق عالميًا.
إن ما طرحه جلالة الملك عبدالله الثاني لا يمكن اختزاله في خطاب رسمي، بل هو دعوة صريحة إلى إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والمحيط، وإطلاق مرحلة جديدة من العمل الجماعي، القائم على الابتكار والعدالة البيئية والالتزام طويل الأمد.