بقلم الدكتوره دانييلا القرعان -
العيد في زمن كورونا مختلف عن الأعياد الإسلامية السابقة، كيف سيعيش سكان العالم العربي والأمة الإسلامية وجميع المسلمين في كافة بقاع الأرض طقوس وأجواء العيد في ظل هذه الجائحة؟.
صام سكان العالم العربي والأمة الإسلامية وكافة المسلمون في شتى بقاع الأرض أيام شهر رمضان المبارك في زمن وباء فيروس كورونا المستجد، والذي حرمهم من طقوسهم وممارسة شعائرهم الدينية وعباداتهم الجماعية، وغلب عليها التواصل الافتراضي، وقلة الزيارات والإفطارات العائلية.
وها هو شهر الصيام يقترب رحيله معلناً وداعه، وقدوم عيد الفطر السعيد، في حين ما زال وباء كورونا مستمراً، والإجراءات الاحترازية منه ما زالت مفعّلة، وسيكون هنالك حظر في الايام الأولى من عيد الفطر السعيد، والاكتفاء بالسير على الأقدام بدلاً من استعمال السيارات، حيث يمنع الخروج من المنزل إلا لحالات الزيارات والمعايدات، التي ينبغي أن تكون سريعة، إلا وأنني أفضل في ظل هذه الظروف الاستثنائية القاهرة الاكتفاء بالمعايدات الإلكترونية، واستخدام منصات التواصل الاجتماعي للتهنئة والمباركات والتحيات والسلام.
وسيغيب عن عيد الفطر هذا العام العديد من العبادات والطقوس المحلية التي كانوا معتادين ممارستها مدى السنوات السابقة، مفتقدين لأجوائها التي تعلوها البسمات وعلامات الفرح.
"عيد من غير صلاة" في ظل ظرف استثنائي لم تشهد له بلاد العالم الإسلامي والعالم أجمع ليس له مثيل على الإطلاق، لن يستطيع أبناء الأمة الإسلامية والمسلمين في كل مكان، أداء صلاة العيد في المساجد والساحات، وهي من أهم الطقوس الدينية المتعارف عليها دينياً، وعادة اسلامية من عادات الاعياد المستحبة في الصباح الباكر، من أجل تبادل التهاني والتبريكات بحلول العيد وتوزيع التمر، حيث كانت أغلب جوامع ومساجد العالم الإسلامي مغلقة، والاكتفاء فقط برفع الآذان للحد من تفشي فيروس كورونا، لذلك في ظل استمرار جائحة كورونا، وقرارات الإلتزام بالحجر المنزلي وحظر التجول الكلي والجزئي في بعض الأحيان، سيصلي الناس صلاة عيد الفطر السعيد في بيوتهم مع التكبير والتلبية التي قد ترفعها المساجد عبر مكبرات الصوت.
في فتوى سابقة قمت بالإطلاع عليها، صدرت عن اللجنة الدائمة للفتوى في المملكة العربية السعودية جاء فيها " ومن فاتته صلاة العيد وأحب قضائها واستحب له ذلك، فليصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، فإذا كان القضاء مستحباً في حق من فاتته الصلاة مع الإمام الذي أدى صلاة العيد بالمسلمين، فنحن من باب اولى ان تكون إقامتها مشروعة في حق من لم تقم صلاة العيد في بلادهم، لأن في ذلك إقامة لتلك الشعيرة حسب الاستطاعة" والله تعالى يقول في محكم تنزيله " فاتقوا الله ما استطعتم"وقول النبي _صلى الله عليه وسلم_ " إذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".
في المقابل هنالك عادة اخرى و طقس مهم في أول أيام عيد الفطر السعيد، لا أعلم مدى تطبيقه من قبل الأهالي والسكان، لكن ما اعتقده انه سيكون مختلف عن الاعياد السابقة، ألا وهو زيارة أحبتنا في قبورهم في أول أيام العيد، فالبعض لا يستطيع ولا يتمكن من زيارة المقابر بعد صلاة العيد الصباحية، لأن الصلاة في هذا الظرف ستقام في المنازل بعيداً عن مساجد الله، حيث اعتاد الكثير منا زيارة احبائهم من خلال زيارة قبور الأقارب والأصدقاء من الراحلين لقراءة القرآن والدعاء لهم، ولكم منا أيها المغادرون عن هذه الدنيا والمغادرون عنا الرحمة والدعاء والمغفرة والعتق من النار، ويا من تسكنون بيوتاً غير بيوتكم، وفي الوحده نائمون، لكن أيضا يتيح اجتماع العائلة الصغيرة لصلاة العيد عبر ترديد التكبيرات بصوت مرتفع، والدعاء للراحلين، وتبادل التهاني والتبريكات بين بعضهم البعض.
"معايدات إلكترونية عن بعد في ظل زمن كورونا" فمنذ أن ألغى كورونا المصافحة باليد والعناق بين الأصدقاء والأقارب، للحد من انتشار الفيروس بين الناس قبل أشهر، ما زال الأمر غير متاح في العيد لتبادل التهاني والتبريكات، وبرأيي المتواضع، يفضل وأن كان البعض في ظل الحجر الجزئي في أول أيام العيد، سيتبادلون التبريكات والذهاب عند بعضهم البعض، لكن ما أود الإشارة إليه في ظل هذه الجائحة، أن نكتفي بممارسة المباركات والتهاني عبر منصات التواصل الاجتماعي، فيكون لدينا ما يسمى "بالمعايدات الإلكترونية عن بعد".
في ظل وجود الهواتف الذكية وتطبيقات الرسائل الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي، سيكون هنالك إمكانية للتواصل الإلكتروني والافتراضي، عبر إرسال التهاني بحلول العيد بطرق مختلفة ومتعددة،زمن خلال النصوص المكتوبة أو الصور أو مقاطع مصوّرة، حيث كانت هذه المعايدات تفيد المغتربين والمسافرين أكثر قبل زمن كورونا، حتى إنها أصبحت عادة عامة بين الجيران والبيوت التي تقع في حي واحد، ولن تتوقف الاتصالات الصوتية أو حتى المرئية بين العائلات والتي تؤكد قوة الروابط العائلية ومكانها المتقدم.
وبرأيي أتوقع أن عادة تبادل الزيارات الأسرية ستختفي كما اختفت مع بداية شهر رمضان المبارك،وأن جميع العادات والتقاليد تحولت إلى عادات "عن بعد" عبر الهاتف، وأن أبناء العم والخال والأقرباء والأصدقاء، بات من الصعب عليهم التجمع ليلة العيد او تناول الطعام معاً بسبب الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا.
وسيغيب مظهر آخر من مظاهر الاعياد والمناسبات ألا وهي شراء الملابس والحلي الجديدة، حيث سيكون هذا العيد مختلفاً عن غيره من الاعياد والاكتفاء لدى البعض على بعض الملابس القديمة لديه، وفي ظل زمن كورونا بالنسبة للمحلات والاسواق، غاب عنها إيجاد وعرض بعض الموديلات الجديدة التي كان يتم استيرادها من دول مجاورة.
"لا عيدية باليد" وهذا مظهر آخر من مظاهر الاعياد والمناسبات ألا وهو تبادل العيديات باليد والتي يفرح بها الصغار والكبار، حيث كان الجميع يتبادلون التهاني والتبريكات والذهاب لبعضهم البعض وتقديم العيديات النقدية أو الهدايا، وليس فقط تقديم العيديات بين الأقارب، وإنما أيضا تقديمها للفقراء والمساكين والمحتاجين وقسوتها كسوة العيد الجميلة، فجميع هذه المظاهر ستغيب عنا في هذا العيد الاستثنائي.
وفي النهاية ما أود التطرق له، هو أننا جميعنا حزينون لما يحدث لنا في ظل هذه الظروف الطارئة، وأن عيدنا ليس كأي عيد مضى علينا، وعلينا الآن بعد الاتكال على الله والأخذ بالأسباب، اقتصار الزيارات الأسرية والإجتماعية إلى حين الانتهاء من هذا الوباء، وعلينا أن ندعو الله في هذه الأيام المباركة أن يرفع عنا البلاء والوباء، وعن سائر بلاد المسلمين في شتى أنحاء العالم، وكل عام ووطنا وقائد وطنا المفدى وشعبنا الصامد وجميع الدول الإسلامية بألف خير وصحه وسلامة.
بقلم د. دانييلا القرعان