رئيس الديوان الملكي يتفقد مشاريع مبادرات ملكية في البلقاء والكرك الخرابشة يبدي اعجابه بمشاريع شركة كهرباء إربد المتطورة المعايطة: العدل لا يبنى بالقوة بل بالتوافق والاختيار الحر علم النكاية التطبيقي.. رئيس جامعة جدارا يرعى إطلاق دورة لتعليم اللغة العربية لطلبة إندونيسيا د. علي السعد يكتب: صندوق الادخار في وزارة الصحة.. خطوة في الاتجاه الصحيح العين فاصل الحمود يكتب: ضماناتٌ ملكيّةٌ كهرباء إربد تواصل تطوير الشبكة الكهربائية في كفرنجة لتعزيز جودة الخدمة النائب أيمن أبو هنيّة يدعو الحكومة لتبني مبادرة “الجيل الرقمي الأردني 2030” لإعداد جيل متمكّن رقمياً مندوبا عن الملك وولي العهد. العيسوي يعزي عشيرة الردايدة مندوبا عن الملك وولي العهد. العيسوي يعزي عشيرة الصرايرة العيسوي يلتقي وفدا من أبناء عشيرة المشاقبة قرارات مهمة لمجلس الوزراء .. تفاصيل مدير تربية إربد الخصاونة يلتقي "سفراء التميز" جامعة عمان العربية تعقد مؤتمرا دوليا في كلية الحقوق

القسم : اقلام واراء
تاريخ النشر : 02/10/2025 8:36:56 AM
علم النكاية التطبيقي..
علم النكاية التطبيقي..

 
الكاتب وليد معابرة

"النانو ثانية" بين طوط النَّوَر وإِنجاز الأُمم

أما قبل؛ فقد لقد تعلَّمنا في كتب الفيزياء أنَّ "النانو ثانية" أو كما يُعرف باللغة الإنجليزية بـ "Nano Second"  تُعدُّ جزءاً متناهياً من الثانية، وقد قدَّر العلماء أَنَّها (تساوي واحد من مليار من الثانية)، أي بمعنى أَنَّها تمثل زمناً لا يُرى ولا يستطيع أحد الإمساك بأطرافه؛ لكنَّه في حقيقته موجود ولا يمكن إنكاره! أما عند الفئة التي تعتنق الثقافة النَّوَريَّة ؛ فقد أعادوا تعريفه علميَّاً واجتماعيَّاً منذ زمن بعيد، فـ "النانو ثانية" عند ثقافة تلك المجتمعات تمثل اللحظة الواقعة بين إضاءة إشارة المرور الخضراء وبين انفجار سيمفونيَّة زوامير المركبات الذي تخرج من صدور سائقي المركبات بشكل مستفزٍّ؛ لمجرَّد اعتقادهم أنَّهم -في تلك اللحظات- يعتبرون أنفسهم قادة جيوش في معركة حاسمة وحامية الوطيس.

وأما بعد؛ ففي الدول المتحضرة؛ يقاس التطور التكنولوجي والمعلوماتي ومدى سرعة استجابة الأجهزة الدقيقة بـ "النانو ثانية"؛ وقد يمثل –مجازاً- الوقت المسموح به للراحة الفكريَّة والعمليَّة؛ وهو الوقت الذي يمنح للعامل كي يلتقط أنفاسه! فالغرب ما زالوا يتعاملون مع الزمن على أنَّه استثمار وإنجاز، أما الفئات التي تتعايش مع الثقافة النَّوَريَّة فقد حوَّلت الزمن ذاته إلى مضمار للتنكيد والمناكدة "وسمِّة البدن"، حيث يشعر الإنسان الزائر للبيئة النَّوَريَّة أنَّ الإنجاز الحقيقي للسائقين يبدأ حين ينجح في إفساد لحظات هدوئك؛ سواء أكنتَ سائقاً أم راكباً.

في أُوروبا؛ تُضيء الإشارة الضوئيَّة باللون الأخضر؛ ليتحرك السائقون بهدوء تام، وكأنَّهم ضمن عرضٍ للباليه يُعرض على خشبة مسرحٍ لطيف؛ كلُّ مركبة من المركبات الواقفة تعرف دورها، ولا يشعر سائقوها بالتهديد والعقاب بسبب أنَّه تأخر لمدة لا تزيد عن النصف ثانية! أما في الثقافة النَّوَريَّة ؛ فتضيء الإشارة باللون الأخضر؛ ليتحوَّل الشارع –في اللحظة نفسها- إلى جبهة حماسيَّة من جبهات الحروب العقائديَّة الدمويَّة، فعند أوَّل "طوط" أو زامور يطلقه أحد السائقين؛ تشعر وكأَنَّ بصرك قد زاغ، وبعد أن تسمع صوت "الطوط" الثاني الذي صدر من أحد سائقي باصات الكوستر الذين يعتقدون أن الإشارة تمثل صافرة حكم مباراة حماسيَّة في ملعب دولي؛ فإنَّك ستشعر أَنَّ القلوب قد بلغت الحناجر! لتبدأ حينها اللعنة الجماعيَّة التي تشبه عزف الأوركسترا المزعج؛ الذي يقودها قائد لم يسمع في حياته قط عن أَبجديَّات الذَّوق، ولم يقرأ سطرين كاملين عن الأخلاق.

في الحقيقة؛ إِنَّ "النانو ثانية" في ثقافاتنا ليست وقتاً فحسب! بل هي امتحان أخلاقي يكشف لك أنَّ جارك الواقف في طابور الإشارة الضويئَّة لا يُطيق أن تسبقه بأيِّ حال من الأحوال، وأنَّ السائق الذي يتبعك من الخلف يعتبر نفسه وصيَّاً على رزقك وزمنك المهدور، بل إنَّك ستدرك أنَّ فكرة الصبر والحِلْم ليست سوى خطبة عصماء تلقى في الشوارع المزدحمة! وأنَّ (الطوط) أو الزامور ليس مجرَّد صوت على قدر ما هو إعلانُ نصر ٍصغير، فالسائق حينما يضغط على الزامور يشعر بلذة نفسيَّة وقد تصل إلى لذة علميَّة تشعره بأنَّه أَنجز إِنجازاً أعظم من إنجازات "ستيفن كوفي Stephen Covey" بطل القيادة العالميَّة وصاحب أَبيع كتاب في العالم؛ فقد استطاع أَخونا السائق بحكم قيادته الحكيمة للمركبة أن يجبرك على التحرك الفوري؛ وكأنَّ نفسه تحدثه بأنَّه صنع الحدث، وأيقظ النائمين، فأصبح صاحب الفضل في إعادة الحياة إلى عجلات التطوُّر التي تسير عليها مركبته! ولو قلت له مبتئساً: يا أخي، (الإشارة بعدها ما ضوت؛ لغمزك بعينيه قاصداً أن يُشعرك بِأنَّه يلقنك درساً في احترام الوقت والاهتمام بالزمن، وتلك واحدة من مشكلاتنا الأَزليَّة! فنحن نعاني من مشكلة التعليم وغرس مفاهينا التي تعلمناها بسرعة؛ بل إنَّنا نمتلك جانباً ألوهيَّاً نُصنِّف من خلاله فئات البشر؛ لنِدخِل بعضهم النار، ونُنَجِّي ما يوافقنا آيديولوجيَّاً إلى الجنَّة! فضلاً عن أنَّنا نمتلك جانباً تربويَّاً يسمح لنا أن نبدي آرائنا في كلِّ جلسة، وكأنَّ الآخرين يحتاجون دائما إلى علومنا وتدفق المعارف التي نحصل عليها بشكل مطَّرِد من خلال مواقع غير موثوقة، لذلك نحن نضيع أعمارنا في النكاية، وفي إثبات أنَّنا قادرون على تحريك الآخرين، ولا يهم أن يكون الشارع متعطِّل، أو الإشارة قصيرة، أو الطريق مزدحم! المهم أن أُسمعك "الطوط تبعي" وأشعرك بالهزيمة النفسيَّة.

ذات يوم حدثت أمامي حادثة أكملت الصورة النفسيَّة التي يعاني منها أفراد مجتمعنا من غير دراية، فقد اختزلت تلك الصورة كلَّ مشاهد السخرية، وكلَّ لحظات العنف؛ فقد اعتقد أحد السائقين أنَّ لديه القدرة على حلِّ مشكلة الأزمات والمركبات العالقة أمامه! فأخذ يُطلق  الزامور وراء الزامور؛ حتى جاءه رجل يمشي على قدميه، فاقترب منه وقال له ببرود: "مبروك الزامور"! عندها تفاجأ السائق صاحب "الطوط" المتواصل ، وخجل من نفسه، فاكتفى بالسكوت والاندهاش من رجل أشعره وأشعر كلَّ من في الطريق أنَّه يستحق جائزة نوبل في امتصاص الضجيج وإنهاء حالات النكد!

إن ما تم سرده؛ يقودني إلى أنَّ تلك الممارسات تجسد صورة مصغرة عن حياتنا السياسيَّة أو الاجتماعيَّة، أو حتى الآيديولوجيَّة: 
🔸ففي البرلمانات العربيَّة؛ الزامور يتحوَّل إلى مقاطعة وصراخ وضرب في بعض الأحيان!
🔸وفي الجامعات؛ الزامور يتحوَّل إلى وساطة تهزُّ مستقبل الطلبة!
🔸وفي المؤسسات الخاصَّة؛ الزامور يصبح مديراً يصرخ بأحد موظفيه ليعاتبه على عدم فتح الملف قبل أن يطلبه!
🔸وفي الإعلام العربي؛ الزامور يتحوَّل إلى مذيع يقاطع ضيفه ويصرخ في وجهه قبل أن يسمعه!
🔸وفي البيوت؛ الزامور يبدأ نقاشاً عائليَّاً حول كأسٍ الشاي الذي يحتاج ملعقة صغيرة من السكَّر، وينتهي بمحكمة تفتيش في سيرة الجد السابع للعائلة.
🔸وفي وسائل التواصل الاجتماعي؛ الزامور يتجسد في تعليق شخصٍ جاهلٍ يُهاجمك قبل أن يفهم حرفاً واحداً ما كتبت؛ ليثبت لك أنَّه موجود ويمتلك زاموراً يعلو على صوت زامورك.
🔸وفي الرياضة؛ الزامور يتحوَّل إلى جمهور يملأُ المدرَّجات صراخاً وشتماً، في حين أنَّ المباراة وديَّة لا تُغيِّر من مصير الفريقين.
🔸وفي الشارع؛ الزامور يصبح شجاراً على موقف سيارة أَو أَولويَّة مرور تتحوَّل إلى معركة تعطِّل حركة السير أكثر من إشارات المرور نفسها.
🔸أما في الدوائر الرسميَّة؛ فالزامور يتجسد في موظف يرفع حاجبه في وجهك؛ ليشعرك بِأَنَّ معاملتك لن تصل إلى نهايتها إلا إِذا سمعتَ زامور المعاملة الخاصَّة.

المشكلة أن نتيجة تلك الممارسات لا تفرز سوى سيكولوجيَّة مستفزَّة تساهم في تكوُّن نظرة مجتمعيَّة زائفة ورديئة لدى الآخرين! وتسعى إلى صناعة حياة مشوَّهة تتبنى نظرة بيئيَّة طاردة؛ لا يتذكُّر فيها الإنسان من الحياة الخضراء سوى الزوامير؛ بينما يبقى فيها الإنجاز نائما عند الإشارة الحمراء.

✋خلاصة القول: إننا قد استطعنا أن نطوِّر علماً جديداً سيضاف إلى العلوم النفسيَّة والتربويَّة ضمن مسمى: "علم النكاية التطبيقي"، فهو علم لم يدرَّس في الجامعات والمعاهد من قبل؛ لكنَّه يمارس في الشوارع والأسواق وفي معظم البيوت؛ وإنَّ من آثار تعلُّم هذا العلم هو أن يصنع من الفرد مشروعاً متنقلاً ينتظر لحظة الإنفجار؛ لنثبت للعالم أجمع من خلاله أَنَّنا استطعنا ابتكار "علم النكاية التطبيقي" الذي يساعد البشر على تحويل مفهوم "النانو ثانية" من وحدة قياس زمنيَّة إلى وحدة يقاس فيها النكد.

التعليقات
شارك بالتعليق الاول للخبر
اضافة تعليق جديد

جميع الحقوق محفوظة لموقع وكالة "الرقيب الدولي" الإخبارية (2013 - )

لا مانع من الاقتباس او النقل شريطة ذكر المصدر

اطلع على سياسة الموقع الالكتروني