ما كتبه أحد الأصدقاء من واقع حاله..
هو فتى وحيدٌ في هذا العالم، لا أخٌ يؤنسه، ولا أختٌ تواسيه. خُلِق في صمت، ونما في ظلّ الوحدة، فغدت الأيام عنده صفحاتٍ بيضاء، لا يخطّها سواه. لم يعرف دفءَ التقاسم، ولا لذّة المناصفة، ولا مرارة الشجار الذي يعقبه الصفح.
كان إذا فرح، ابتسم لنفسه، وإذا حزن، طأطأ رأسه وسار، كأن الأرض وحدها تعنيه.
كلّ ما حوله كان يؤنّث أو يُذكّر، إلّا وحدته… فهي لم تكن أنثى تُروى، ولا ذكرًا يُعتمد عليه، بل كانت ظلًّا طويلًا، لا يفارقه في نهار، ولا يتركه في ليل.
لم يقتسم ملابس الجامعةِ مع شقيق، ولم ينتظر دوره في الحديث على مائدة العائلة، كان الحديث له، والصمت له، والمكان له، والوَجْد له.
وحين كان يرى الآخرين يركضون نحو إخوانهم، ويتنازعون ثم يضحكون، كان يبتسم بتؤدة، كأنما يرى مشهدًا من حياةٍ ليست له، كأنما الزمن ألقى به في هامش الرواية، لا في صلب الحكاية.
لكنّه، رغم هذا، لم يكن هشًّا. بل خرج من رحم العُزلة صلبًا كجذر شجرةٍ ضرب في الأرض عميقًا. لم يتهالك على الرفقة، ولم يجزع من الخذلان. صار قلبه بيتًا صغيرًا لكنه مرتّب، لا يعجّ بالزائرين، لكنّه دافئ لكلّ من طرق بابه برفق.
يُحب الناس من بعيد، ويقدّر العلاقات دون أن يتورّط في ضجيجها. لا يشتهي كثرة الأصوات من حوله، بل يحنّ إلى صوتٍ واحد، لو وُجد، لربما غيّر كلّ شيء: صوت أخ، أو همسة أخت، تُربّت على وحدته، لا أكثر.
وهكذا ظلّ، يمشي في دربه الخاص، لا يُشبه أحدًا، ولا يشبهه أحد. لم يتكئ على كتف، لكنه تعلّم أن يمشي منتصبًا. ولم يسمع “أنا معك”، لكنه صار مع نفسه بما يكفي ليصمد.
هذا أنا.
خاطرة الأستاذ بارق عبدالله حمادنة