كتب: مُعين المراشده * -
قال لي أحدهم يومًا مازحًا: "ملامحك وتجاعيدك وشيب رأسك توحي بأن عمرك أكبر من عمرك الحقيقي بعشرين سنة"...
ابتسمت وأجبته بكل فخر:
"قد يكون ما تراه يوحي بذلك، لكن الحقيقة أنني عشت أكثر مما عاشته سنوات عمري، وكل خط في وجهي هو سطر من كتاب حياتي".
هذه التجاعيد لم تُرسم عبثًا، ولم تأتِ من فراغ. هي حكايات كدّ وعمل، وسهرٍ على لقمة العيش، وصبرٍ على مسؤوليات لا تنتهي. هي أثر تعب بالحلال، ووسام شرف تمنحه الحياة لمن أعطى وأخلص وبذل بلا كلل ولا ملل.
أما الشيب الذي ترى بياضه، فهو راية نصر رفعتها الأيام على رأسي، لا إعلان استسلام. هو عنوان تجربة عميقة، وخبرة متراكمة، وشهادة أنني مضيت في دروب الحياة بثبات، وانتزعت مكاني بجهدي وعرق جبيني.
ولأن وجهي دفتر حياتي، فإن كل خط فيه يذكرني بمحطات وقفت عندها طويلًا، وبأيامٍ عصفت بي فأوقعتني، لكنني نهضت منها أقوى وأكثر صلابة. تجاعيدي ليست عيبًا أستحي منه، بل توقيع الزمن على مسيرتي، وشهادة ميلاد جديدة مع كل تجربة عشتها. إنها لغة صامتة لا يقرأها إلا من عاش وذاق وتحمّل، فتروي من دون كلام ما تعجز عنه الصفحات والسطور.
لقد علمتني تلك الملامح الممهورة بعناوين السنين أن العمر الحقيقي لا يُقاس بعدد الأيام، بل بما نحمله من أثر وبصمة وذكرى طيبة في قلوب الناس. فما جدوى وجه أملس بلا تاريخ، أو ملامح صامتة بلا حكايات؟ لهذا، أرفع رأسي عاليًا كلما نظرت في المرآة، وأقول لنفسي: لقد اجتزت الدروب الوعرة مرفوع الجبين، وحملت معي في ملامحي وسام إنسان عاش الحياة بكل معانيها، وخرج منها شامخًا.
في زمن يلهث فيه الكثيرون خلف إخفاء علامات العمر، أجد أن هذه العلامات هي أجمل ما أحمله. فهي ليست مجرد تغيّر ملامح، بل وثيقة حياة مكتوبة على وجهي، تحكي عن معارك خضتها بشرف، وصعاب تجاوزتها بكرامة، وأمانة أديتها بصدق.
فلتكن تجاعيدي وشعري الأبيض فخرًا لا أخفيه، ودليلًا على أنني عشت العمر مرتين: مرة بسنواتي، ومرة بجهدي وكفاحي.
هذا أنا… وهذا وجهي… دفتر حياتي وأجمل ما أملك.
* ناشر ورئيس هيئة تحرير وكالة “الرقيب الدولي” الإخبارية.