د. جمال الخرمان يكتب: على لسان الطفلة التي سقطت عليها المسيّرة بالازرق
كتب : د. جمال الخرمان - (أكاديمي وخبير عسكري وأمني) -
في عالم السياسة، قد تكون الحقيقة أكثر تعقيداً من الشعارات، وأكثر مرارة من الخطب الرنانة. فحين نتأمل سلوك إيران خلال العقود الماضية، نجد أنفسنا أمام مشروع سياسي قائم على التناقض: يرفع شعار “الموت لإسرائيل”، بينما يزرع الموت في العواصم العربية، ويدّعي نصرة المستضعفين، وهو أول من يسحقهم حين لا يكونون من طائفته.
في لغة الحرب والعلم العسكري والاستراتيجية الحديثة الاستهداف والضربة تكون موجعه على سبيل المثال مطار ، مصفاة بترول ، مقر عسكري ، ليس كسر زجاج منزل او كراج سيارة وهناك الاعمال الممكنه التي يجب على القادة التخطيط لها بإتزان وهناك مراحل لاضعاف الخصم
هناك حقائق تاريخيّة موثقة تثبت للجميع حقيقة الأمر وأنها لعبه زائفه
صاروخ على مدرسة: حين سقطت الأقنعة
في 13 تشرين الأول/أكتوبر 1987، دوّى صاروخ إيراني من طراز “سكود B” في سماء بغداد، ليسقط على مدرسة “بلاط الشهداء”، موقعاً مجزرةً مروّعة راح ضحيتها 38 طفلاً عراقياً أعمارهم بين 6 و12 سنة. هذا الهجوم لم يكن على موقع عسكري، ولا على قاعدة للبعثيين، بل على أطفال يحملون دفاترهم وأحلامهم الصغيرة. كانت الرسالة واضحة: العدو في نظر إيران ليس نظاماً، بل هوية.
في المقابل، حين أطلقت إيران ومليشياتها قرابة 250 صاروخاً نحو إسرائيل في السنوات الأخيرة، كانت النتيجة المعلنة أربع ضحايا فلسطينيين، وزجاجاً مكسوراً في المستوطنات. فارق الصدى بين الحدثين يكشف فداحة الخداع: نفس الصواريخ، ولكن أهداف مختلفة. لا تسقط المدارس في تل أبيب، ولا يموت الأطفال في حيفا، بل تُضرب غزة، أو تُهدَّد بيروت ودمشق.لأن الصواريخ الإيرانية ليست موجهة لضرب العدو الحقيقي، بل لأغراض دعائية.
خامنئي وراية الثأر: “علي ومعاوية” لا “فلسطين وتل أبيب”
في أعقاب الانهيار الكبير الذي أصاب النظام السوري في لحظات فارقة، غرّد المرشد الإيراني علي خامنئي قائلاً: “الصراع لا يزال بين أتباع علي وأتباع معاوية”. لم يذكر إسرائيل، ولا القدس، ولا الصراع العربي الإسرائيلي، بل أشار بوضوح إلى الصراع الطائفي، ليعترف صراحة بأن معركتهم العقائدية موجهة ضد العرب السنة، لا ضد الصهاينة.
هذه الكلمات ليست زلة لسان، بل تمثل جوهر العقيدة السياسية لنظام “الولي الفقيه”، الذي يرى في العرب السنة العدو التاريخي الأول، ويخوض ضدهم حروباً في العراق وسوريا واليمن ولبنان، تحت ستار “الممانعة”.
إيران-كونترا: خيوط المؤامرة المشتركة
حين كُشف النقاب عن فضيحة “إيران-كونترا” في الثمانينات، صُدم العالم بحقيقة العلاقات السرية بين طهران وواشنطن وتل أبيب. ففي ذروة الحرب العراقية الإيرانية، كانت طائرات إسرائيلية تنقل أسلحة أمريكية إلى طهران عبر وسطاء، بتمويل من إدارة ريغان، في عملية سرية مُخزية. تفاجأت الدبابات العراقية بصواريخ م/د تو ، لاول مرة في التاريخ تستخدم هذه الصواريخ وكانت ضد العرب هديه امريكة اسرائيلية بتنفيذ إيراني
هل كانت إيران حينها محاصرة وتلجأ لعدوها؟ لا. بل كانت تكمل مسيرتها في إطالة أمد الحرب مع العراق، لإضعاف بغداد، وإنهاك جيوش العرب السنة. وللمفارقة، لم تُوجه هذه الأسلحة يوماً لإسرائيل، بل بقيت في خنادق الجنوب العراقي.
(إسرائيل في خندق إيران خلال حرب الخليج الأولى)
خلال حرب الخليج الأولى، لم تخف إسرائيل دعمها غير المباشر لإيران، في رغبة صريحة بعدم انتصار العراق. وكان المسؤولون الإسرائيليون يفضلون نظاماً طائفيّاً حاقداً على العرب السنة، على حساب عراق قوي موحد يهدد النفوذ الصهيوني في المنطقة. كانت إسرائيل وإيران، رغم العداء العلني، تلتقيان في الهدف: كسر العرب من الداخل.
خلاصة: عدوهم ليس إسرائيل بل أنت
كل المعطيات تشير إلى حقيقة واحدة: عدو إيران ليس الكيان الصهيوني، بل “الأمة العربية السنية”. ومن أراد دليلاً فلينظر إلى خريطة الحروب: من يقتل في العراق؟ من يُقصف في حلب؟ من يُجوع في تعز؟ من يُهجر في دير الزور؟ إنهم العرب السنة، لا غير.
إيران تقصف بغداد، تدمر حلب، تفتك بالفلوجة، وتخنق صنعاء… لكنها لم تُسقط مبنى واحداً في تل أبيب
أما في الجبهة المزعومة ضد إسرائيل، فلا جبهة هناك. صواريخ باردة، ومسرحيات متكررة، وخطابٌ لا يسندُه فعل. إيران تتقن فن التمثيل، وتُخيف شعوبها بخطر خارجي مفتعل لتبرير البطش الداخلي، لكن الحقيقة واضحة كالشمس: “إسرائيل عدوتهم في الخطاب، والعرب السنة أعداؤهم في الواقع.”