كتب: عدنان نصار * -
في عام 1965 كانت حافلات نقل قديمة مكتوب على جانبيها "اربد - نابلس وبالعكس" وحافلات أخرى مكتوب على جانبيها "اربد -القدس وبالعكس" ، فمدينة اربد الأردنية ،الواقعة إلى الشمال من العاصمة عمان بمسافة لا تزيد عن مسافة (85كم) ومسير ساعة بالسيارة ..المدينة كانت شاهدة عيان على الذاكرة المكانية والوجدانية ، التي تربط المدن الاردنية والفلسطينية ، ومدى قوة النسيج الاجتماعي الرابط بين الشعبين ،والتشابك في ذاكرة مشتركة يعود تاريخها إلى ما قبل "سايكس" الذي حاول خلع ذاكرة المكان ،و "بيكو" الذي اشتغل على محاولات محو ذاكرة الإنسان ، في بلاد الشام عموما.
اربد ، وجغرافيتها وسهولها وجبالها الغربية والشمالية الغربية واحدة من المدن الاردنية ، المطلة على ضفاف فلسطين ..فالمدينة لا تبعد عن القدس سوى 120كم ومسير ساعة ونصف بالسيارة ، وكذلك الأمر مدن جنين ونابلس ، وإذا وقفنا على ضفاف اربد الشمالية الغربية ، نرى طبريا المدينة والبحيرة بالعين المجردة نهارا او اضويتها ليلا ، وهي -اي اربد - شاهدة حية على كثافة الحركة البرية بينها وبين المدن الفلسطينية والمعبر الرئيسي الواقع على ضفاف الاغوار الشمالية غرب اربد بمسافة لا تزيد على (35كم) .
ومدينة اربد ، التي يعود تاريخها إلى العهد البيزنطي ، ومر عليها العديد من الحضارات التي سادت ثم بادت ، ما زالت ممسكة بذاكرة شعبية انسانية ومكانية أقرب ما تكون إلى لوحة راسخة ،ليس في ذاكرة الزمن الجميل اي في الستينيات والسبعينيات، بل تعدى امر الذاكرة إلى الجيل الخامس من الشباب ، الذي يتجلى احيانا في التقاط صور على المنطقة الحدودية الاردنية- الفلسطينية ، ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي .
ذاكرة مدينة اربد الشعبية ،مسكونة بالزمن الجميل ، ولا تمر مناسبة اجتماعية في مجالس المدينة وريفها ومخيماتها الا ويجيء ذكر حافلات النقل القديمة :"اربد - القدس وبالعكس" و "اربد - نابلس وبالعكس" ..حافلات قديمة من نوع "مرسيدس" مطلية باللون الأبيض مع خطين اسودين على جنبي الحافلة..ولعل انشغال ذاكرة "الارابدة " في سيرة ومسيرة المدينة العتيقة (اربد) مرده إلى الانشغال الوجداني بكل الأشياء الجميلة ،التي تقيم في الذاكرة وخصوصا عند الجيلين الثاني وهم الذين واكبوا نكبة 1948، والجيل الثالث ممن واكبوا النكسة عام 1967 ، الذين استقروا في مدينة اربد الأكثر قربا لفلسطين على أمل العودة القريبة ..، والذاكرة اياها التي تنتعش مع مرور الوقت تتسيد المجالس ،وتنقل الثقافة الوطنية وذاكرتها إلى الجيل الخامس من فئة الشباب.
اربد سيرة مدينة ، ومسيرة ذاكرة شعبية ، تتبختر على ضفاف الحارات وفي قلب المدينة العتيقة ، وتتحدث بصوت شفاف في مجالسها عن ذاكرة شعبية وحكايات بين المدن الاردنية - والفلسطينية ، والروابط المشتركة في وجه الشبه بين حارات المدن هنا و وهناك ..حتى المناداة على السلع ما زال قائما في أسواق المدينة العتيقة (اربد) من مثل " ريحاوي يا موز " و "يافاوي يا برتقال" و "زعتر جنين" ناهيك عن "الكنافة النابلسية" ..هي أشياء، لها رمزيتها الوطنية المقدسة ،حتى في تفاصيل يومياتتا البسيطة ، واحلام العابرين من سوق المدينة الحاملين في وجدانهم ذاكرة شعبية مكانية لا تموت ..ويبقى الحديث "اربد - القدس وبالعكس " وحافلة قيد الانتظار لتقل الركاب إلى هنااااك.
* رئيس التحرير المسؤول لوكالة "الرقيب الدولي" الإخبارية.