المهندس سليم البطاينه يكتب: حكومة متعَبة ومُرهَقة .. وبرلمان في غيبوبة سياسية .. وجَدلٌ حول الهوية والتوطين السياسيً
المهندس سليم البطاينه * -
يمكنُنا أن نقرأ بوضوح ومن دون عدسات مكبرة طبيعة المشهد السياسي الداخلي الحالي .. ولا أحد يُجادل كونه مشهد يعيش على إيقاع الفراغ … فأي مواطن أردني يستطيع أن يَسرد ما يسُر وما لا يسُر.
فواقع الأمر يقول أن هناك نكوص يمُرُ بها الحقل السياسي الأردني.
فالدولة تبحثُ عن شعب يرضى بالواقع ، يجعل من الصمت التام فريضة ومن الطاعة العمياء سُنّة مؤكدة .. يسألُ عن كل ما يخطر بباله ولا يستطيع الإستفسار عن مصير بلاده !
فبالأمس تشكّلت لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية بمعزل عن الحكومة والبرلمان وكأننا نسبحُ في فضاء سياسي لا تصوّر يحكمه .. فغياب الحكومة ومجلس النواب عن أعمال اللجنة الملكية يعني شيئاً من الفراغ السياسي.
وأنا هنا لست مع الحكومة ولا مع مجلس نواب تمّت هندسته سابقاً ، لكنني والله أشفق عليهما.
فالحكومة بدت عليها علامات التعب والإرهاق وأصبحت لا تملك عمقاً نفسياً أو قدرة على تحليل وإلتقاط الإشارات والرسائل .. فقد تم سحب البساط من تحت أقدامها وسُلب دورها وقَبِلت على نفسها اللعب في قائمة الإحتياط.
ورئيسها ولِلحَق يعمل بجديّة مُخلصة ولا يهوى الرقص مع الأفاعي .. ولم يحاول الخروج من صورة الرجل الصامت .. فالولاية العامة شكلياً بيده وفعلياً بأيدٍ أخرى.
فهذا الموضوع غير مُستهجن في الأردن فغالبية الحكومات المتعاقبة لم تمتلك الولاية العامة كما منحها ونَص عليه الدستور .. والبعض من رؤساء الحكومات السابقين فَهِم تلك المعادلة مبكراً ولم يكن معنياً بجدل امتلاك الولاية العامة ولا حتى نصفها خوفاً من الدخول بصراعات مع مراكز نفوذ .. علماً أن البعض منهم دخل بصراعات مع مؤسسات سياديّة ودفع الثمن مبكراً وسريعاً .. فكثيراً منهم خفض ما تبقى له من ولاية عامة ..مع العلم أن الولاية العامة ليست خاضعة للتجزيء .. ولطالما شاهدنا حكومات منزوعة الدسم نازعتها مراكز قوى في صلاحياتها ونجحت في سَلب دورها.
والمتابع للمشهد السياسي يرى أن الحكومة تسير وسط حقول ألغام صنعته هي لنفسها وارتضت به .. وبتنا لا نعرف كيف يعمل الرئيس و طاقمه في غياب نصوص دستورية تُحدد مهامهم.
وهنا لا أستطيع أن أكتم غيظي أو أخفي مشاعري وأنا أُشاهد بعضاً من بالونات الإختبار والتغريد خارج السرب لمجموعة من أعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية تُطلَق بين الحين و الآخر لِجَسّ النبض وقراءة الواقع العام.
فغياب الإستقرار في الأردن يجعله معرضاً أكثر للمؤامرة .. فكمائن الخطر تُنذر بسيناريوهات مُزعجة على صعيد وحدة النسيج الوطني .. فعدم وجود خرائط تُحدد الطرق وترسُم التضاريس يجعلُنا أمام علامات استفهام كُبرى لا نستطيع فك شيفرتِها.
فملفات وأفكار الوطن البديل ما زالت في أدراج مكاتب البيت الأبيض .. والتوطين السياسي في الأردن كان ولا يزال داخل العقلية الإسرائيلة التى ترى أن الفناء الأردني ونظامه السياسي هو مصلحة صهيونية ذات أبعاد ديموغرافية كبرى.
فالذاكرة الجمعية لنا ليست ببعيدة عنا فهناك الكثير من الوثائق سُرّبت من داخل السفارة الأمريكية في عمان والتي صَنّفت الأردنيين من شرق النهر و من غربه وتحدثت عن الهوية وما يترافق معها من جدل حول مسألة التوطين والوطن البديل.
فأيّة دعوى كما تحدث رئيس الوزراء والأعيان السابق عبد الرؤوف الروابدة لإيجاد هوية فلسطينية على الأرض الأردنية هي دعم مباشر وقوي لقضية الوطن البديل وعرقلة لقيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية .. وهي أيضاً ذريعة كبرى لإسرائيل لإلتهام ما تبقى من أراضي الضفة الغربية و تهجير سكانها.
فالأجدى هو التصدي لخطر المشروع الصهيوني في المنطقة وأدواته والتأكيد على صلابة وقوة الهوية الوطنية الفلسطينية.
والسؤال الذي يتم تداوله الآن إلى أين تأخُذنا لجنة تحديث المنظومة السياسية بمآلات مُخرجاتها ؟ وما هي السيناريوهات القادمة ؟ فثمّة شي من الغموض يَلف أعمال بعض اللجان الفرعية.
فأعضاء اللجنة الملكية سيتحملون من حيث لا يدرون كل شي سينتُج عن المُخرجات القادمة … فالأردنيون ينظرون إلى إصلاح وتغير يختارونه هم بأنفسهم لا أن يُفرض عليهم .. وأن يكون مُلبياً لطموحاتهم حافظاً لهويتهم.
فمعظم مخاوفهم وهواجسهم هو قانون الإنتخاب القادم من أن يأتي تحت عنوان غير معلن (التوطين السياسي) .. والذي بالأصل سيأتي ناقصاً ومُثيراً للجدل في حال لم يتم البَت في قضايا سابقة كقرار فك الارتباط عام ١٩٨٨.
فليس من الصعوبة على اللجنة الملكية أن تؤكد على إصلاحٍ حقيقي يأخذ في عين الإعتبار هواجس التوطين والوطن البديل.
فهناك أجواء من الحذر تسود الشارع الأردني.
ومن المفارقات العجيبة التي تحتاج إلى دراسات نفسية لم يكن العقل يستوعبها سابقاً هي حالة الإسترخاء التي يشهدها التيار المدني والتيار الإسلامي داخل اللجنة الملكية .. فهناك نقاط إلتقاء عديدة بينهما بحيث شكّلا رأس حربة للقتال حول مخرجات قانون الإنتخاب والأحزاب من حيث عدد النواب و عدد الدوائر والنسبة التمثيلية للدوائر الإنتخابية.
والسؤال هل سَتُطيحُ مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية بمجلس النواب والحكومة في حال انتهاء اللجنة من المدة التي حددها الملك لهم .. وحال انتهاء البرلمان بغرفتيه من مناقشتها ؟ فالأشهر القادمة و الله أعلم ستكون حبلى بالمفاجئات.
* عضو أسبق في البرلمان الأردني.