* الدكتور . بسام ابوارميله -
أسس مبدأ المشروعية الإدارية لضمان سيادة القانون بخضوع أعمال السلطة الإدارية والأفراد على السواء إلى أحكام القانون بمعناه الواسع.
إلا أنه قد يطرأ على الدولة ظروفاً غير عادية يطلق عليها الفقه والقضاء الإداري عدة مصطلحات : كالظروف الاستثنائية وحالة الضرورة والحالة المستعجلة وحالة الطوارئ .. الخ وأياً كانت التسمية أو المصطلح فإنها تفيد معنى واحد وهو وجود حالة أو خطر يهدد الأمن العام للدولة أو يهدد الصحة العامة كانتشار وباء كورونا. وبذا فإن انتشار هذا الوباء وخطره المحدق على النفس البشرية يشكل ظرفاً استثنائياً طارئاً يهدد الصحة العامة بخطر جسيم بستوجب معه إعمال نظرية الظروف الاستثنائية التي تنطبق وفق قواعد القانون الإداري على هذا الوباء ، فضلا عن بداية انتشاره على الحيوان أيضا بما قد يهدد الثروة الحيوانية الأمر الذي من شأنه أن يؤثر سلباً على القدرة الاقتصادية للدول لاسيما في الأردن ذات الموارد الاقتصادية المحدودة.
وإن هذا الأمر لا يعني البتة الغياب الكلي لمبدأ المشروعية وإنما يعني الغياب الجزئي له ، إذ يبقى هذا المبدأ ساري المفعول ولكن مع تخويل السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة غير معمول بها في ظل الظروف العادية بغية إدارة الأزمة إلى حين زوالها بإذن الله ، وهو ما يعرف لدى الفقه الإداري "بإحلال المشروعية الاستثنائية محل المشروعية العادية " أو "مشروعية إدارة الأزمات".
وفي هذا الصدد ، تستطيع جميع الجهات الإدارية– سواء أكانت مختصة أم لا – أن تتحلل من بعض قيود المشروعية لاسيما فيما يتعلق بقواعد الاختصاص وقواعد الشكل والإجراء وقواعد المحل ، فلها أن تخالف هذه القواعد ولكن مع تقييدها بثلاثة ضوابط قانونية استقر عليها القضاء الإداري الفرنسي والمصري والأردني وتتمثل هذه الضوابط فيما يلي :
1- تقيد الإدارة بركن السبب المبرر لاتخاذ قراراتها : والمتمثل بوجود الظرف الحالي (وباء كورونا) في وقت اتخاذ القرار وليس قبله أو بعده ، حيث أن السبب لا يكون مشروعاً إلا إذا كان قائماً وقت إصدار القرار.
2- تقيد الإدارة بمبدأ التناسب والملاءمة بين محل القرار الصادر لمواجهة في هذا الظرف وبين طبيعة الظرف السائد : وبالتطبيق على حالة وباء كورونا فإنه دون شك يشكل ظرفاً استثنائياً خاصاً وغير معهود وذلك بما ينجم عنه من آثار خطيرة على الصحة العامة تؤدي أحيانا إلى الوفاة ، وهو ما يؤدي إلى توسيع صلاحيات الإدارة باتخاذ أي قرارات من شأنها الحفاظ على الصحة العامة للإنسان والحيوان على السواء.
3- تقيد الإدارة بركن الغاية من القرارات المتخذة : فاستناداً إلى مبدأ تخصيص الأهداف ، فقد حدد المشرع الأردني والمصري والفرنسي لسلطات الضبط الإداري – سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية – هدف تحقيق الصحة العامة فيما تتخذه من قرارات وإجراءات لمواجهة هذا الوباء ، وعليه لا يحق للإدارة استغلال هذا الظرف الوبائي لتحقيق أهداف أخرى لا تمت بصلة إلى الهدف المحدد قانوناً وإن تذرعت الإدارة باستهداف المصلحة العامة.
ومما تقدم يتبين بأن وجود ظرف استثنائي معين لا يعني أبداً غياب قواعد المشروعية الإدارية ورقابة القضاء الإداري ، وغاية ما هنالك أن هذه الرقابة تضعف – ولا تنعدم – في ظل وجود الظرف الوبائي، وتسمح للإدارة بتوسيع صلاحياتها التقديرية في مواجهة هذا الوباء.
وإذا كان توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية وضعف الرقابة القضائية عليها قد بني على أساس وجود ظرف وبائي ذو طبيعة خطرة من شأنهالإخلال بعنصر الصحة العامة كأحد العناصر المادية لحفظ النظام العام في الدولة ، فما هو المانع –بالمقابل – من تأسيس المسؤولية الإدارية على نفس الأساس. فأعتقد بأنه قد آن الأوان وسنحت الفرصة للقضاء الإداري الأردني والعربي أن يسعى إلى تأسيس النظرية الفرنسية المتمثلة بنظرية "المسؤولية الإدارية على أساس المخاطر"، وعدم الاكتفاء بإقامة المسؤولية الإدارية التقليدية على أساس الخطأ.
*رئيس قسم القانون - كلية القانون / جامعة جدارا