القسم : منبر الرقيب الدولي
تاريخ النشر : 14/09/2020 7:47:19 AM
المراشده يكتب : الانتخابات والهمازون واللمازون..
المراشده يكتب : الانتخابات والهمازون واللمازون..


بقلم / د. معين المراشدة *-

ونحن على أعتاب الانتخابات النيابية، وكما في كل مرة، تبدأ طائفة الهمازيين واللمازيين بالظهور والانتشار، هدفها، وغايتها الإساءة لبعض المرشحين بغير وجه حق، إنما حسدا وغيرة. 

ما هو الهمز؟ الهمز : هو السخرية من الآخرين، فحينما تسخر وتعيب على الآخر بغير حق ، فأنت هماز  وأما اللمز: فهو النقد سراً، لا يلجأ إليه إلا الضعفاء ، لأن الأقوياء لا يلمزون سراً، بل يهمزون علانية ، وقول الله تعالى : ﴿ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ يدل على أن تلك الصفات القبيحة، والعادة المتأصلة فيهم؛ إنها صورة لئيمة حقيرة ، من صور النفوس التي تخلو من المروءة ، ولذلك ورد النهى عن السخرية والهمز واللمز في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، لأنها آفة من الآفات  التي تكون سبباً في كثير من النـزاعات ، والتفرق في المجتمع  وقد اهتم الإسلام بعلاجها  والتحذير منها ، وتشديد العقوبة على فاعلها ؛ حتى يعيش المجتمع الإسلامي في أمن وأمان ، وألفة واطمئنان  ، لأنَّ الغمز والهمز واللمز والاستهزاء بالآخرين يقطع الروابط الاجتماعية  القائمة على الأخوة، والتواد والتراحم ، وتبذر بذور العداوة والبغضاء ، وتورِّث الأحقاد والأضغان ، وتولِّد الرغبة بالانتقام ، دخل رجل على  عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه  فذكر له عن رجل شيئاً، فقال له عمر: "إن شئت نظرنا في أمرك  فإن كنت كاذباً، فأنت من أهل هذه الآية ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ ﴾ وإن كنت صادقاً، فأنت من أهل هذه الآية:﴿ هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ وإن شئت عفونا عنك  فقال: العفو يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبداً " وعن علي رضي الله عنه أن رجلاً سعى إليه برجل فقال: "يا هذا نسأل عما قلت  فإن كنت صادقاً مقتناك، وإن كنت كاذباً عاقبناك، وإن شئت أن نقيلك أقلناك، فقال: أقلني يا أمير المؤمنين" . 

إن اللمز عيب أخلاقيّ نهى الله المؤمنين عنه   لأن مجتمع المؤمنين كالجسد الواحد ، وعلى المؤمن إذا أراد أن لا تلحقه الذنوب ، ولا يكون من الظالمين ، أن لا يلمز أخاه المؤمن ، لأن اللمز والهمز ، يوقد نار العداوة بين المؤمنين ، ويحط بأصحابه في قاع سوء الخلق ، بما أقدموا عليه من تسفيه للآخرين  وتقليل من شأنهم ، ولعل من أشد النصوص ، في التحذير من الهمز واللمز ، ودفع المؤمنين للتورع عنه، هو قول الله عز وجل: ﴿ َويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ ورد في تفسير هذه الآية أن الهمز واللمز، من أسباب مسخ شخصية الانسان ، وانحطاطه الى مرتبة حيوانية مؤذية ، واللمز في الشرع : هو ذكر ما يعده الذاكر عيباً لأحد ، وهذا يصب في قالب من يزدري الناس وينتقصهم ، ويطعن فيهم  ويعيب عليهم، وهو من أشنع الأخلاق وأسوئها! لأن في الهمز واللمز ، محاولة الانتقاص من مكانة الآخرين، والسخرية بهم  وذلك مخالف للآداب ، التي ينبغي على المؤمن أن يراعيها  بأن لا يعيب بعض المؤمنين بعضاً ولا يطعن بعضهم بعضا ، لأن المؤمنين كنفس واحدة ، متى عاب أخيه المؤمن ، فكأنما عاب نفسه، وقد جاء الوعيد الشديد في شأن الهماز اللماز ، وهو الذي يطعن في أعراض الناس  ويحتقر أعمالهم وصفاتهم  وينسب إليهم السيئات   استمتاعاً بالحطّ منهم ، وحرّم اللمز والطعن والإساءة إلى الآخرين ، قال تعالى: ﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ ﴾ وحث المؤمن على احترم إخوانه المؤمنين، وأن يتواضع لهم ، ويتأدب بأدب الإسلام ، الذي يجمع القلوب على المودة والمحبة والصداقة  ونهى عن كل ما يوغر الصدور ويزرع الشقاق ، ويثير البغضاء قال صلى الله عليه وسلم : (الكبر بطر الحق، وغمط الناس) غمط الناس : احتقارهم واستصغارهم وازدراؤهم  ، إنها الصورة التي وقف منها الإسلام موقفًا حازمًا حاسمًا ، صورة يمثل انتشارها في المجتمع ، مظهراً من مظاهر الخلل ، وقلة الورع  وضعف الديانة ، صورة تشوش على حفظ الحرمات ، وسلامة القلوب ، وصيانة الأعراض  وتحري الحق ، إنها كبيرة من كبائر الذنوب ، وموبقة من موبقات الآثام ، وحالقة من حالقات الدين ، يشترك في ذلك فاعلها ، والراضي بسماعها  فكم هتكت من أسرار ، إنها إدام كلاب الناس ، الذين فقدوا الإحساس ، فكم من صلات قطّعت ، وكم من أواصر مزّقت بسببها ، لأنها من أكثر الذنوب انتشاراً ، ومن أعظم الأمراض القلبية فتكاً ، بل هي عادة ذميمة  وعملاً لئيماً ، وجريمة أخلاقية منكرة ، لا يلجأ إليها إلا الأصاغر والضعفاء والجبناء ، ولا يستطيعها إلا الأراذل والتافهون  ولا تنتشر إلا حين يغيب الإيمان  إنها اعتداء صارخ على الأعراض وظلم فادح للأفراد ، وإيذاء ترفضه العقول الحكيمة ، وتمجه الطباع السليمة ، وتأباه النفوس الكريمة ، التي تحبّ للمؤمنين ما تحبّ لنفسها، وتكره لهم ما تكره لنفسها، فإن رأى المؤمن مِن أخيه المسلم نقصا في دينه ، اجتهد في إصلاحه، لأنه يكون مؤمنا حقا الذي يرضى للناس ما يرضاه لنفسه، وإذا كان المؤمن لا يرضى أن يغتابه أحد ، فكيف يغتاب أخاه وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ﴾    الحجرات12 . 

وإذا كان المؤمن لا يرضى أن يسعى أحد بينه وبين أحبابه بالنميمة ، فكيف يسعى هو بين إخوانه المتحابين بالنميمة ، ليفسد ما بينهم وقد قال الله تعالى:﴿ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ  هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ﴾ القلم10، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(لا يدخل الجنة نمام) وإذا كان المؤمن لا يرضى أن يسخر منه أحد ، أو يستهزئ به أحد ، فكيف يسخر من إخوانه ويستهزئ بهم ويتنقّصهم وقد قال تعالى:﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةْ لُمَزَةٍ ﴾ الهمزه ، ويلٌ للإنسان الّذي يعيش مع الناس ليطعن فيهم بمختلف وسائل الطعن  فيسيء إليهم بذكر عيوبهم ، بغير حق، أو بذكر العيوب التي لا وجود لها ، والإنسان الذي يعيب الآخرين ، فهو إما أحمق لا ينظر إلى نفسه، ولا يبصر عيوبه ، وإنما يُبصر عيوب غيره ، يعيب الناس بعيوب هو أحقُّ بها ، لأنَّه مبتلى بها وهو لا يدري، أو أنه مبتلى بنقائص ، ويعلم أنَّه مبتلى بها ولكنه يبحث عن سترها بواسطة رمي الآحرين بها_ رمتني بدائها وانسلَّت _ يتحدث عن عيوب الناس ، وكأنه مبرأٌ من هذه العيوب ، وغير مبتلى بها، يتخذ من تعييب الناس وسيلة لستر عيوبه، هذا الذي توعَّده الله  عزو جل بأنْ يفضحه على رؤوس الأشهاد ، روى أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(يا معشر من آمن بلسانه ولم يدل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته) فلا تظهر عيب أخيك  فيظهر الله عيبك ، ولا تفضح أخاك ، فيظهر الله سوأتك واشغل نفسك بعيبك ، فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس. والله المستعان.


*ناشر ورئيس هيئة تحرير وكالة الرقيب الدولي الإخبارية. 
التعليقات
شارك بالتعليق الاول للخبر
اضافة تعليق جديد

جميع الحقوق محفوظة لموقع وكالة "الرقيب الدولي" الإخبارية (2013 - )

لا مانع من الاقتباس او النقل شريطة ذكر المصدر

اطلع على سياسة الموقع الالكتروني