الرقيب الدولي -
في مساء الأربعاء المقبل، ستشهد سماء الأردن والعالم حدثًا فلكيًا نادرًا، حيث سيكتمل بدر شهر حزيران في ظاهرة تسمى "الانقلاب القمري الرئيسي" (Lunistice)، وهي ظاهرة لا تتكرر إلا مرة كل 18.6 سنة. هذه الظاهرة، التي تحدث في سياق معقد من التفاعلات بين جاذبية الأرض والشمس والقمر، ستكون فرصة نادرة لرصد قمر كامل يشرق من موقع منخفض غير معتاد في السماء.
الظاهرة الفلكية: التفاعل بين الأجرام السماوية
يتسبب الانقلاب القمري في تفاعل بين جاذبية الأرض والشمس والقمر، بالإضافة إلى ميل مدار القمر 5 درجات عن مدار الأرض وميل محور دوران الأرض. هذه العوامل تؤدي إلى تغيّر تدريجي في موقع القمر في السماء على مر السنوات، ليصل في دورة معينة إلى أقصى انحراف له شمالًا وجنوبًا. هذه الظاهرة الفلكية تتيح للقمر أن يشرق أو يغرب من نقاط غير مألوفة على الأفق، ما يجعلها نادرة جدًا. والحدث الحالي هو ذروة هذه الدورة التي لم تحدث منذ عام 2006، ولن تعود إلا بعد عقدين آخرين.
لحظة خاصة في سماء الأردن
يشير الدكتور عمار السكجي، رئيس الجمعية الفلكية الأردنية، إلى أن الأردن يمتاز بموقع جغرافي مثالي لرصد هذه الظاهرة. في العاصمة عمان، سيشرق القمر عند الساعة 8:14 مساءً بتوقيت الأردن، ليظهر بزاوية سمتية نحو 114 درجة في الأفق الجنوبي الشرقي. ما يميز هذا البدر هو موقعه المنخفض في السماء، حيث سيكون ارتفاعه أقل بنحو خمس درجات من أدنى نقطة تصل إليها الشمس في فصل الشتاء، مما يجعل المشهد أكثر غرابة وجمالًا.
مشهد بصري ساحر: القمر بين البرتقالي والأحمر
ومع شروق القمر المنخفض، سيتسبب مروره عبر طبقات كثيفة من الغلاف الجوي في تشتت ضوءه، مما يؤدي إلى ظهور القمر بألوان دافئة تتراوح بين البرتقالي والأحمر، وهو مشهد بديع يستهوي المصورين الفلكيين وعشاق السماء. يمكن لمراقبي السماء في أماكن مثل عمان، البتراء، أو وادي رم أن يشاهدوا القمر يشرق على الأفق الجنوبي، وكأنه يلامس التلال والجبال، مما يضيف إلى سحر الظاهرة.
الظاهرة في الثقافات القديمة
لطالما كانت الظواهر الفلكية محط اهتمام الثقافات القديمة. فمواقع القمر القصوى كان يُنظر إليها كدليل للتوقيت الزراعي، كما استخدمتها الحضارات القديمة لتحديد المواسم وبناء معالم فلكية مثل أحجار كالانيش في اسكتلندا ووادي شاكو في أميركا. وفي منطقتنا العربية، كانت دورات القمر تشكل جزءًا أساسيًا من التقويمات الزراعية والثقافية، ما يجعل هذه الظاهرة أكثر من مجرد حدث فلكي بل جزءًا من التراث المشترك.
فرصة تعليمية وسياحية مميزة
تعد هذه الظاهرة أيضًا فرصة مميزة للمؤسسات التعليمية والجامعات للاستفادة منها في مجال التعليم الفلكي، حيث يُمكن للطلاب والمهتمين استكشاف هذه الظواهر الفلكية وفهم كيف تؤثر على حركة الأجرام السماوية. وفي إطار تعزيز السياحة الفلكية، ستنظم الجمعية الفلكية الأردنية فعاليات مفتوحة لهواة التصوير الفلكي، مما يتيح للمصورين فرصة لتوثيق هذه اللحظات الفريدة من مواقع سياحية وأثرية.
نظرة من الجانب الآخر للكرة الأرضية
بينما سيكون القمر في أقصى انحراف له في نصف الكرة الشمالي، فإن المشهد سيكون مختلفًا تمامًا في نصف الكرة الجنوبي. في دول مثل جنوب إفريقيا وتشيلي ونيوزيلندا، سيرتفع القمر في السماء ليضيء ليالي الشتاء هناك، بينما سيغيب القمر تمامًا في مناطق مثل آيسلندا وألاسكا حيث سيكون تحت الأفق.
الانقلاب القمري في سياق السماء
خلال هذه الظاهرة، سيمر القمر عبر العديد من الكوكبات السماوية المدهشة، مثل الحواء والقوس، بالإضافة إلى 18 كوكبة أخرى. هذا يعكس تنوع المسارات السماوية التي يمكن أن يشهدها المتابعون، ما يضفي بعدًا علميًا وجماليًا إضافيًا على الحدث.
حدث فلكي يربط السماء بالأرض
يشكل بدر حزيران القادم، مع ظاهرة الانقلاب القمري، حدثًا فلكيًا استثنائيًا يستحق الاهتمام والمتابعة. سواء كنت من هواة التصوير الفلكي أو مهتمًا بمراقبة السماء، فإن هذه الظاهرة ستكون تجربة لا تُنسى. إنها ليست مجرد حدث علمي، بل هي جسر بين العلم والثقافة، وتذكير بقوة الطبيعة في إحداث تأثيرات هائلة على حياتنا وموروثنا الثقافي.