المراشده يكتب: نبش الذاكرة.. مع الخال ضيف الله الحمود
معين المراشده * -
في صيف عام 1985 اطلعت لأول مرة وصدفة على عدد من جريدة "الصحفي" الاسبوعية لناشرها ورئيس تحريرها الوزير والنائب المعروف المرحوم ضيف الحمود، كان ذلك في عيادة الدكتور معين التل بمدينة الزرقاء.
وما انتهيت من قرائته بالكامل حتى وجدت ان تلك الصحيفة استهوتني وجذبتني وحفزتني عناونيها الجريئة على الاتصال فورا بالمرحوم ضيف الله طالبا موعدا للقائه.. وهو ماكان بعد يومين لتبدأ علاقتي به التي استمرت حتى وفاته في 2001/6/6 .. ويالها من صدفة ايضا انه اليوم الذي احتفل به كل عام بذكرى يوم ميلادي .
كانت "الصحفي" اسبوعية منذ صدورها عام 1964 وحتى توقفها عن الصدور اختياريا عام 1997 الا انها لم تكن منتظمة في ذلك وانتشارها محدودا وكان ضيف الله يتولى تحريرها بالكامل ونادرا ماكان يسمح او يستعين باحد لانجاز اي من اعدادها وللحقيقة والتاريخ كانت "الصحفي" تتمتع بسقف حرية في النقد المباشر واللاذع للمسؤولين وكشف اماكن الفساد وتسليط الضوء عليها بجرأة وهو ماكان يزعج العديد من الوزراء والمسؤولين الذين كانوا يبدون امتعاضهم وتذمرهم الا ان ضيف الله لم يكن يبالي بهم وكانت الحكومات المتعاقبة صاحبة الولاية في منح او سحب تراخيص اصدار الصحف تغض الطرف عن المخالفات التي كانت ترتكبها "الصحفي " والتي ينص عليها قانون المطبوعات والنشر احتراما لشخص ضيف الله وتقديرا لماضيه السياسي والوطني والقومي في مختلف اماكن المسؤولية التي استلمها وتبوأها .
في نهاية أيار عام 1993 شكل دولة الدكتور عبد السلام المجالي حكومته الأولى وأستلم معالي الدكتور معن أبو نوار وزارة الاعلام... وبعد شهرين تقريبا وذات مساء تموزي وكانت ليلة خميس .. كنت في منزل ضيف الله بعمان واذا بالهاتف يرن مخبرا ان وزير الاعلام معن ابو نوار يرغب في زيارتك .. فرد ضيف الله :اهلا وسهلا.. ولم تمضي الا بضع دقائق حتى حضر ابونوار وبعد تبادل عبارات المجاملة أفصح عن سبب الزيارة والذي كان اقتراحا يقضي بتقديم الحكومة تعويضا مناسبا الى ضيف الله مقابل تنازله عن امتياز "الصحفي" وتخليه عنها ..فرد ضيف الله بحدة وغضب : والله يامعن لو دفعتم مليون دينار لن اتنازل عنها .. اما اذا كانت "الصحفي" تضايقكم بامكانكم اتخاذ القرار وانتم أصحاب الولاية بسحب ترخيصها ليقطع الحديث بينهما جرس الهاتف من جديد مخبرا معالي معن ابو نوار ان جلالة الحسين في طريقه لزيارتك وعليك العودة الى البيت حالا.
بعد اسبوعين التقيت ضيف الله بمقر الجمعية الوطنية لأصدقاء الشرطة على جبل اللويبدة وكان رئيسا لها فاستفسرت عن ماآل اليه اقتراح ابو نوار .. فأخبرني عن لسان معن : ان معن عندما عاد الى بيته وجد أن جلالة الملك الحسين رحمه الله قد وصل الى المنزل قبله بقليل وكان قد علم بزيارته الى ضيف الله وما ان دخل حتى استفسر منه الحسين عن سبب هذه الزيارة فاخبره معن عن اقتراحه بخصوص "الصحفي" ظنا منه أن ذلك سيفرح جلالة الحسين على اعتبار ان قلم ضيف الله من خلالها أصبح مزعجا للحكومة والاكثرية من الوزراء والاعيان وكبار المسؤولين ...فما كان من الحسين طيب الله ثراه
الا ان رد على معن قائلا : يامعن من طلب منك ذلك ...دعوا ضيف الله يكتب ودعوا "الصحفي" تصدر ..هل تعلم يامعن انني أقرأها ودائما أجد أن ضيف الله محق فيما يكتب وينقد وغالبا ماأطلب تصويب وضع كتب عنه او قضية تناولها في " الصحفي".. وظلت "الصحفي " بعد ذلك تصدر حتى توقفت اختياريا عام 1997 بعد أن اشتد المرض على ضيف الله رحمه الله واسكنه فسيح جنانه.
* ناشر ورئيس هيئة تحرير "الرقيب الدولي"